إنسان "متعلم" أن يفهم الحقائق الثابتة في الوجود: كحقيقة الألوهية وحقيقة الربوبية، وحقيقة الكون، وحقيقة الحياة, وحقيقة الإنسان ... إلى آخره. فبدون فهم هذه الحقائق لا يستطيع الإنسان أن يفهم حقيقة وجوده، ولا دوره في هذا الوجود، فضلا عن مصدر وجوده وغايته.
ومن الضروري أن يعرف الإنسان "المتعلم" المعايير التي يرجع إليها في إقامة الجوانب المختلفة لحياته على الأرض. فالشورى معيار لسياسة الحكم ونظامه، والعدالة الاجتماعية معيار للنظام الاقتصادي، والتراحم، والتكافل، والتعاون معايير لتنظيم الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الناس.. وهكذا.
ومن الضروري أن يفهم الإنسان "المتعلم" مجموعة القيم الأساسية التي يقوم عليها نظام الحياة الإنسانية الراقية، فالعلم واستخدامه في إعمار الحياة وترقيتها "لا في خرابها"، الإحسان والدقة في العمل، والنظام، والنظافة، وصدق الشعور في القول والعمل، كل هذه قيم ثابتة، لا يمكن أن يقوم نظام إنساني راق -في أي وقت- على وجه الأرض بدونها.
الخاصية الثالثة: هي أن منهج التربية يعتمد أيضا على الخبرة، فالخبرة هي أساس بناء الإنسان وبناء المجتمع، والخبرة تقتضي من الفرد نشاطا ووعيا بأبعاد الموقف التعليمي وتفاعلا معه، والأصل هنا أن منهج التربية لا يعتمد في طرائقه وأساليبه على التلقين وحده، بل يهتم -بالدرجة الأولى- بالتعلم عن طريق الأحداث، وعن طريق الممارسة والعمل، وعن طريق الثواب والعقاب، وعن طريق القصة، وضرب المثل، والتجسيم والتصوير، والقدوة، وعن طريق استخدام قوى الإدراك الظاهرة والباطنة التي زود الله بها الإنسان، ليستخدمها إلى أقصى طاقاتها: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] . {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] .
إن مجرد المعرفة النظرية، أو العلم الذي لا يؤثر في سلوك الإنسان وفي واقع حياته لا قيمة لهما ولا يعتد بهما منهج التربية، إن ذلك العلم خاو من المعنى ولا قيمة له، وتلك المعرفة سطحية ولا قيمة لها أيضا، لأنها مجرد معرفة "ذهنية"، لا تؤثر في سلوك الإنسان، ولا تغير شيئا في واقع حياته على الأرض. إن تلك المعرفة وذلك العلم -باختصار- لا يعينان الإنسان على أداء وظيفته في عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله، ولهذا كان الوحي قاطعا في رده على المنافقين: إن كنتم مؤمنين حقا فآية