الوثني، أو التصور الفلسفي -على اختلاف ما بينهما- وعمل الإنسان فيه هو تلقيه وإدراكه والتكيف به، وتطبيق مقتضياته في الحياة البشرية"1.

وإذا كان الفكر البشري لم ينشئ هذا النظام، فإن له وجودا قويا في مجاله للعمل فيه، "بيد أن عمله هو التلقي والإدراك والتكيف والتطبيق في واقع الحياة.. غير أن القاعدة المنهجية الصحيحة للتلقي.. هي هذه.. أنه ليس للفكر البشري أن يتلقى هذا التصور بمقررات سابقة، يستمدها من أي مصدر آخر، أو يستمدها من مقوماته هو نفسه، ثم يحاكم إليها هذا التصور ويزنه بموازينها.. إنما هو يتلقى موازينه ومقرراته من هذا التصور ذاته، ويتكيف به، ويستقيم على منهجه"2.

"وفي الوقت ذاته يعتبر الفكر البشري -في ميزان هذا التصور- أداة قيمة وعظيمة، يوكل إليها إدراك خصائص هذا التصور ومقوماته -مستقاة من مصدرها الإلهي- وتحكيمها في كل ما حوله من القيم والأوضاع، دون زيادة عليها من خارجها، ودون نقص كذلك منها.. ويبذل منهج التربية لهذه الأداة العظيمة من الرعاية والعناية، لتقويمها وتسديدها وابتعاثها للعمل في كل ميدان هي مهيأة له.. الشيء الكثير"3.

إذن فوظيفة الإنسان في هذا النظام هي التلقي في حدود طبيعته الإنسانية، وفي حدود وظيفته، "فالإنسان محكوم أولا بطبيعته: طبيعة أنه مخلوق حادث، ليس أزليا ولا أبديا، ومن ثم فإن إدراكه لا بد أن يكون محدودا بما تحدده طبيعته، ثم هو محدود بوظيفته، وظيفة الخلافة في الأرض لتحقيق معنى العبودية لله فيها.. ومن ثم فقد وهب من الإدراك ما يناسب هذه الخلافة بلا نقص ولا زيادة".

ربانية الوجهة والغاية:

أما ربانية الوجهة والغاية فنعني بها -كما يقول الدكتور القرضاوي: "أن الإسلام يجعل غايته الأخيرة وهدفه البعيد، هو حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذه غاية الإنسان، ووجهة الإنسان، ومنتهى أمله وسعيه وكدحه في الحياة"4. {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق: 6] ، {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم: 42] .

الربانية والمنهج:

إن منهج التربية هنا منهج رباني في مصدره وغايته، ولذلك فهو يزود الإنسان "المتعلم" بمجموعة الحقائق والمعايير والقيم الثابتة التي توجه عمله وإسهامه، بل وتعينه على عمارة الأرض وترقيتها وفق منهج الله. فلا مراء أنه من الضروري لكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015