...
الباب الرابع: التأليف الأدبي المنهجي
الفصل الأول: الجاحظ 150 - 255هـ:
إن اسمه عمرو بن بحر بن محبوب وكنيته أبو عثمان؛ وإنما قيل له الجاحظ لأن عينيه كان بهما جحوظ أي نتوء، وكان يقال له أيضًا الحدقي، وكان الجاحظ درة ثمينة في جبين المعرفة العربية والإنسانية، عالمًا في كل فن، آخذًا من كل علم بطرف بل أطراف، ثقف نفسه ثقافة واسعة هيأت له أسباب المجد في حياته، ومكنته من تأليف نفائس الكتب التي كتبت له ولها الخلود بعد مماته.
لقد انتفع الجاحظ بكل لحظة من لحظات عمره الطويل بالقراءة والاطلاع فما كان يُرى إلا ومعه كتاب، وما وقع في يده كتاب إلا استوفاه قراءة، بل إن الطريف الممتع في حياة الجاحظ أنه كان يستأجر دكاكين الوراقين -أي محلات بيع الكتب حسب تعبير زماننا- ويبيت فيها للنظر فيما حوته من العلم.
لقد ثقف الجاحظ نفسه في علوم الدين ومعارف الدنيا وتتلمذ على أعلام العلماء مثل الأخفش في اللغة وإبراهيم النظام في علم الكلام، كما نهل الفصاحة من مناهلها السليمة من شفاه أهل المربد بالبصرة، والجاحظ علم البصرة الذي لا تخطئه العين.
إن الجاحظ جعل لنفسه مدرسة في الأسلوب شبيهة بمدرسة ابن المقفع بل أرفع منها شأنًا وأعلى منها مقامًا، بل إن مدرسته أنقى من مدرسة عبد الحميد وأيسر، إنه ينصح من ينشد السداد في الكتابة، بأن يكون رقيق حواشي اللسان، عذب ينابيع البيان، إذا حاور سدد سهم الصواب إلى غرض المعنى، لا يكلم العامة بكلام الخاصة، ولا الخاصة بكلام العامة1.