الشهر وأعام إذا دخل العام، فقال الكسائي متسائلًا مستنكرًا، ما هو غير هذا؟ وفيم أراد؟ فيعمد الأصمعي إلى الطريقة الجدلية المثيرة مجيبًا السؤال بسؤال: ما أراد عدي بن زيد بقوله:
قتلوا كسرى بليل محرما ... فتولى لم يمتع بكفن
أي إحرام لكسرى؟ وهنا يتدخل الرشيد سائلًا: فما المعنى؟ فيجيب الأصمعي: كل من لم يأت شيئًا يوجب عليه عقوبة فهو محرم، فقوله: محرمًا يعني في حرمة الإسلام، وقوله محرمًا في كسرى يعني حرمة العهد الذي كان في عنق أصحابه. فقال الرشيد: ما تطاق في الشعر يا أصمعي1.
وهناك بين الأصمعي وأبي عبيدة بن المثنى قصة كتاب كل منهما في الخيل والقصة يحكيها الأصمعي قائلا: دخلت أنا وأبو عبيدة على الفضل بن الربيع، فقال: يا أصمعي، كم كتابك في الخيل؟ قلت: جلد واحد -أي مجلد واحد- فسأل أبا عبيدة عن كتابه في الموضوع نفسه، فقال: خمسون جلدًا، فأمر بإحضار الكتابين ثم أمر بإحضار فرس فقال لأبي عبيدة: اقرأ كتابك حرفًا حرفًا وضع يدك على كل موضع: فقال أبو عبيدة: لست بيطارًا، إنما هذا شيء أخذته عن العرب وعلمته وألفته. فقال لي: يا أصمعي، قم فضع يدك على كل موضع من الفرس، فقمت فحسرت عن ذراعي وساقي، ثم وثبت فأخذت بأذني الفرس، ثم وضعت يدي على ناصيته فجعلت أقبض منه بشيء فشيء فأقول هذا اسمه كذا، وأنشد فيه، حتى بلغت حافره، فأمر لي بالفرس2. والأصمعي -بما عرف عنه من مزح وخفة روح- يقول: فكنت إذا أردت أن أغيظ أبا عبيدة ركبت الفرس إليه.
ويذهب بعض الروايات إلى أن هذه القصة حدثت تمامًا كما رويت ولكن عند الرشيد وليس عند الفضل بن الربيع، وتضيف هذه الرواية أن الرشيد سأل أبا عبيدة بعد أن انتهى الأصمعي من ذكر أعضاء الفرس: ما تقول فيما قال؟ فأجاب أبو عبيدة: أصاب في بعض وأخطأ في بعض، فالذي أصاب فيه مني تعلمه، والذي أخطأ فيه ما أدري من أين أتى به3.
لقد كان الأصمعي يسحر الخاصة قبل عامة المثقفين بأدبه وكلامه، وكان من الرشيد بمثابة المعلم والمرجع أو كان -بلغة هذا العصر- مستشاره الثقافي.
إن أخبار الأصمعي سواء منها ما يتعلق بما رواه، أو ما يتصل بعلمه المكتسب، أو