قد نسيه من بعض سوره وآياته.
وربما كانت مثل هذه الروايات تقلل من ثقة الناس في روايته للحديث، وقد مر بنا أنه جلس للحديث ببغداد، فالخطيب البغدادي يذكر لم يثق بروايته الحديث؛ لأنه صاحب نسب وسير. ويذكر ياقوت أن الإمام أحمد بن حنبل، قال عنه: كان صاحب سير ونسب وما ظننت أن أحدًا يحدث عنه1.
ولكن عدم الثقة بابن الكلبي كمحدث لا تنال من قدره كعالم بالأنساب والأخبار وأيام العرب وقبائلهم وملوكهم وتاريخهم وبلدانهم وأقاليمهم وألقابهم، وأديانهم ومحاسنهم ومثالبهم وعاداتهم ومجتمعهم وخيلهم وموءوداتهم إلى غير ذلك من الموضوعات التي ضمنها أكثر من مائة وخمسين كتابًا ملأت ما يقارب الأربع صفحات من كتاب الفهرست لابن النديم2.
إن إسحاق الموصلي، يقول في معرض ذكر فضل ابن الكلبي: رأيت ثلاثة كانوا إذا رأوا ثلاثة يذوبون: علوية إذا رأى مخارقًا، وأبا نواس إذا رأى أبا العتاهية، والزهري إذا رأى هشامًا3.
ولقد تخصص ابن الكلبي أكثر ما تخصص في الأنساب بحيث إن صفة النسابة تلصق باسمه على الأغلب، وله أربعة كتب مشهورة في أولها كتاب الجمهرة في معرفة الأنساب وهو -يروي ياقوت- أحسن كتبه، وله في النسب أيضًا كتاب "المنزل" وهو أكبر من الجمهرة، وكتاب "الفريد" صنعه للمأمون في الأنساب، وكتاب "الملوكي" صنعه لجعفر البرمكي في الموضوع نفسه4.
ولشهرة أبي المنذر الكلبي عرضت له في حياته بعض الطرائف، فقد كان بعض الفرس على أيامه يدعون أنسابًا عربية ويذهبون إلى بعض النسابين المدلسين ليلحقوهم بإحدى القبائل نظير أجر معلوم، فعن لأبي نواس ذات يوم أن ينتحل نسبًا عربيًّا وطلب إلى ابن الكلبي أن يحقق له بغيته، ولكنه رفض ذلك، فكتب إليه أبو نواس هذين البيتين الطريفين:
أبا منذر ما بال أبواب مذحج ... مغلقة دوني وأنت صديقي