...
الفصل الرابع: هشام بن محمد بن السائب الكلبي: ... - 204 هـ
إن أبا المنذر هشام بن محمد الكلبي من أشهر النسابين على الإطلاق وأكثر المؤلفين الأوائل عدد كتب وتنوع موضوعات، وإن كانت شهرته في التأليف قد ارتبطت بالأنساب لأنه كتب فيها أكثر من كتاب، على ما سوف نفصل بعد حين.
إن أبا المنذر كوفي المولد والإقامة والوفاة وإن كان قد زار بغداد وحدَّث بها بعض الوقت1، وهو من أسرة تعيش العلم وتعيه وتمنحه للناس، فقد كان أبوه محمد بن السائب الكلبي من كبار علماء الكوفة ومن الذين يجلسون للحديث والرواية والتفسير، فتتلمذ هشام على أبيه وعلى كبار علماء زمانه، وبعد ذلك تتلمذ عليه ولده العباس وجماعة من أعيان زمانه.
وكان ابن الكلبي سريع الحفظ سريع النسيان وهو القائل: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد، ويحاول أن يدلل على سرعة مقدرته في الحفظ فيقول: عاتبني عم لي على حفظ القرآن فدخلت بيتًا، وحلفت لا أخرج منه حتى أحفظ فحفظته في ثلاثة أيام ويدلل على نسيانه فيقول: نظرت يومًا في المرآة فقبضت على لحيتي لآخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة2.
ونحن نصدق الرجل في الشطر الثاني من قصته، وأما الشطر الأول فإننا نتحفظ إزاءه، فإن ثلاثة أيام لا تكاد تكفي إلا لتلاوة واحدة للقرآن، وربما قصد ابن الكلبي إلى أنه لم يكن مجيدًا للحفظ، فحبس نفسه ثلاثة أيام عكف فيها على تلاوة الكتاب العزيز فاسترجع ما كان