الإسلامي والحيلولة دون عطائه برغم قلة حصيلتهم من العربية، بل العكس هو الصحيح فقد كانوا يحسنون اختيار وزرائهم -رؤساء ديوان الإنشاء- وينتقونهم من بين خيرة العقول المثقفة العالمة الواعية، ويكفي أن يكون ابن فضل الله العمري صاحب "مسالك الأبصار" واحدا من وزرائهم، وأن يكون القلقشندي وابن منظور صاحب "لسان العرب" والنويري صاحب "نهاية الأرب"، والمقريزي صاحب "الخطط" من رجالهم وموظفي ديوانهم.
ومن الأمور الجديرة بالذكر أن عصر الموسوعات كان قريب العهد بالعصر الذي زخرت فيه الأندلس بكبار العلماء والفلاسفة والمفكرين والمؤلفين، ولم تكن هناك حدود ولا سدود تفصل أرض المسلمين وإن تشعبت إلى ممالك متفرق بعضها عن بعض، بل كانت الرحلة دائمة والأسباب موصولة، فلم يكن الفكر في الشرق بمعزل عن نظيره في المغرب والأندلس، ومن ثم كان التفاعل قائمًا والعطاء متصلًا.
هذا ولا يستطيع الباحث المدقق أن يغفل أن هذه الموسوعات المملوكية كانت منصبة في أكثر جوانبها على دراسة البيئة المصرية بصفة خاصة دراسة أدبية اجتماعية سياسية تاريخية اقتصادية جغرافية، متناولة البيئة الإسلامية بصفة عامة في ميادين الدراسة نفسها سالفة الذكر، ومن ثم فهي صدى ثقافة بيئة ونتاج عقول منطقة من أرض المسلمين، إليها انتهت الزعامة الحربية والرئاسة السياسية، فتوفر علماؤها على التأليف والكتابة من منطلق خاص هو الأرض الإسلامية المصرية، فكانت السمات البيئية الثقافية -والأمر كذلك- عنصرًا لا يستطيع الباحث أن يغض من شأنه حين يعرض لتحليل ظهور هذا النوع من الموسوعات زمانًا ومكانًا.
تلك حقائق تاريخية وعلمية أردنا في إيجاز شديد أن نصحح من خلالها خطأ ربما كان غير متعمد لحق بعصر الموسوعات المشهورة، ومن ثم أوقع حيفًا على أهله هم منه بنجوة وبراء.