أمسكت، إلا أن خلبه بالنسبة إلى هذا الخلق، والوجه الطلق، حسنة جميلة، وأوصافه بالنسبة إلى معارفه وعلومه أوصاف ابن قاضي ميلة، لا يجلب لأدب يرسم، ولا حظ من حسن الذكر يرسم، ولا لعرف يتنسم، ولا لبركة تتوسم" ويمضي لسان الدين في وصف القاضي النباهي، وكأنما اختار وصفه له من المقامة الدينارية لبديع الزمان الهمذاني التي جعل موضوعها جائزة قدرها دينار لسفيهين شتامين، ينالها من كان أشتم من صاحبه، إن لسان الدين يمضي في وصف القاضي النباهي هكذا: "ومما يعاب به الزين، كي لا تصيبه العين، ويعلق على البيوت تميمة، وإن كانت الأوضاع ذميمة، من حوله ورصاصة منحوتة ومرار ثور، وذنب سنَّور" 1.
ويمضي لسان الدين على هذا النحو من الوصف أو الهجاء شوطًا طويلًا، فإذا ما انتقل من الوصف إلى الأخبار جاء بالساخر منها والفكه، يروي لسان الدين هذه الطرفة عمن حضر مجلس النباهي: "سمعته يقول: تنكرون علي ما يكثر من كلامي من لفظ جعسوس كأنه ليس من كلام العرب، وبل ولا من ألفاظ القرآن العظيم، فقلنا له: أما في كلام العرب فربما، وأما في القرآن فلا نعرفه، فضحك وقال: سبحان الله! أعيدوا النظر فيه، فقلنا: والله ما نعرفه، فقال: ألم يقل الله تعالى في القرآن: "ولا تجعسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" فقلنا: والله ما قال ذلك قط، وإنما قال: ولا تجسسوا، قال: فاسترجع وقال: يا فقيه، حفظ الصغر".
ويبدو أن النباهي قد عرف بشيء من ذلك التخليط؛ لأن لسان الدين يذكر اسم كتاب بعنوان تنبيه الساهي على طرف النباهي".
فإذا انتقل لسان الدين إلى إيراد أمثلة من شعر النباهي كان الشعر جيدًا، ولكنه يشكك في إسناده إليه، أو يأتي بقصائد قالها النباهي في مدح لسان الدين حين كان صاحب الإماة والوزارة.
على أن لسان الدين في ترجماته الأخرى للنباهي في غير الكتيبة الكامنة" مثل الإحاطة أثنى عليه كثيرًا، بل إنه خلع عليه صفات الفضل والمجد في المرسوم الذي كتبه لسان الدين بنفسه حين ولاه القضاء.
والنباهي بعد ذلك صاحب علم وتاريخ، وهو مؤلف كتاب "المرقبة العليا في تاريخ قضاة الأندلس". ولكن لسان الدين بشر، والنباهي وهو أحد صنائعه مشى في الدس لصاحب الفصل عليه شوطًا طويلًا انتهى إلى المدى الذي ذكرنا من موت لسان الدين قتيلًا، ثم إحراق جثته.