ويعمد لسان الدين إلى السبيل نفسه من خلع صفات اللؤم والتآمر والخسة والتسلق على الوزير الشاعر أبي عبد الله محمد بن يوسف بن زمرك، فيقول في ترجمته: "مخلوق من مكيدة وحذر، ومفطور اللسان على هذيان وهذر، خبيث إن شكر، خدع ومكر، ودس في الصفو العكر".

فإذا انتقل لسان الدين إلى وصف شعر ابن زمرك مدح فنه فأثنى عليه، ولكنه لا يلبث أن ينال منه بذكر بعض أخبار عنه تنال من خلقه وسلوكه.

وأما النماذج الشعرية نفسها فأكثرها مما قاله ابن زمرك في مدح لسان الدين.

خامسًا: إن الشعراء الذين ترجم لهم لسان الدين في "الكتيبة" ليسوا وحدهم شعراء المائة الثامنة، بل هم الشعراء الذين لقيهم لسان الدين وذلك واضح من عنوان الكتاب، مات بعضهم في حياته، ومات هو وترك بعضهم على قيد الحياة، غير أننا نستطبع أن نقرر أن لسان الدين استطاع أن يعطي صورة واضحة المعالم عن الشعر الأندلسي في القرن الثامن الهجري في كتابه هذا مضافًا إليه محتويات كتبه الأخرى ما كان منها في الأدب وما كان منها في فنون أخرى من فنون المعرفة، فالرجل بطبيعته الأدبية لم يكن يغفل عن ترديد الشعر في كل كتبه.

إن الكتيبة الكامنة، والتاج المحلى، والدرر الفاخرة واللجج الزاخرة، وعائد الصلة، وجيش التوشيح، وهي كلها من مؤلفاته الأدبية، مضافًا إليها الشعر الذي ينتشر على صفحات بعض كتبه الأخرى مثل الإحاطة في تاريخ غرناطة، ونفاضة الجراب، وأعمال الأعلام، وخلع الرسن في أمر القاضي أبي الحسن، كل ذلك يمكن أن يشكل ديوانًا للشعر الأندلسي في قرن كامل هو القرن الثامن، بمعنى أن ابن الخطيب وحده وبمؤلفاته وحدها يمكن أن نرسم صورة أقرب إلى الاكتمال عن الأدب الأندلسي شعرًا ونثرًا في المائة الثامنة من الهجرة.

أما من أراد أن يغطي القرن الثامن تغطية كاملة من الناحية الأدبية، فلا مفر له من أن يطلع على كتب أخرى لمؤلفين آخرين مثل فهرسة أبي علي الحضرمي، وفهرسة أبي زكريا السراج، ونثير فرائد الجمان فيمن جمعني وإياه الزمان لابن الأحمر، وتنبيه الساهي على طرف النباهي، والبقية والمدرك من شعر ابن زمرك لابن الأحمر، والمرقبة العليا للنباهي، والمؤتمن في أنباء من لقيناه من أبناء الزمن لأبي البركات بن الحاج، ومزية المرية على غيرها من البلاد الأندلسية لأحمد بن علي بن خاتمة، وكتب الرحلات التي قام بها أصحابها في القرن الثامن، فضلًا على متابعة أدباء القرن أخبارًا وأدبًا وأشعارًا في نفح الطيب للمقري التلمساني والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لشيخ الإسلام أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، القاهري.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015