الألباب، وتقطعت -ونعوذ بالله تعالى- الأسباب"1.
إن الفرق يبدو واضحًا كل الوضوح بين رجل مثل ابن بسام لم يقدم للأدب غير كتاب واحد، وبين عالم كبير مثل لسان الدين بن الخطيب، وما كان الاستعلاء ليرفع قدر وضيع وما كان التواضع ليحط من قدر عظيم، فابن الخطيب بتواضعه هذا جعل قارئي العربية يحيطونه بمزيد من الاحترام، هذا وقد سبق القول إن العالم لا يقارن بعالم آخر بمعيار كتاب بعينه لكل منهما، ولكن ميزان المفاضلة ينبني على أساس جميع ما قدم هذا وذاك من كتب وآثار.
ثانيًا: قسم ابن الخطيب كتابه هذا الذي يضم مائة شاعر وثلاثة -حسبما سبق القول- إلى أربعة أقسام، جعل القسم الأول منه لشعر "الخطباء الفصحاء والصوفية الصلحاء" وفيه يترجم ويتمثل لتسعة عشر منهم.
ومن الطريف أن المؤلف يعطي القارئ عنهم فكرة مجملة قبل أن يقدمها عن كل واحد منهم مفصلة، فيقول: وهذه طائفة أهلها أعلام سرادة ومجادة، وفرسان مرقى وسجادة وليسوا بحجة في إحادة إلا من جرى منهم مجرى إفادة في وفادة"2.
وخصص صاحب "الكتيبة" القسم الثاني من الكتاب لـ"طبقة المقرئين والمدرسين والممهدين لقواعد المعارف والمؤسسين" أي للمعلمين بطبقاتهم المختلفة، والمقصود طبعًا من احتراف التعليم وحده وابتعد عن ممارسة الشعر ومعاناته ولم يقل إلا في مناسبة أو استجابة لخطرة طارئة أو فكرة وافدة، فإن أكثر الشعراء الكبار في العصور الوسيطة والحديثة كانوا معلمين.
إن ابن الخطيب يجعل هذه الطبقة دون مستوى غيرها في حلبة الشعر ويقول "وهذه الطبقة أولى ممن قبلها بدرجة الانحطاط وغض عنان الاشتطاط، إذ لا خفاء عند المتمرس، بفضل الخطيب في باب الفصاحة على المدرس، إلا ما وقع بالعرض، وخرج عن هذا القياس المفترض"3 وهكذا يتحرز ابن الخطيب في حكمه، وهو الرأي الذي أشرنا إليه قبل سطور، وهؤلاء المعلمون الشعراء الذين أورد ترجمات ونصوصًا لهم عددهم أحد عشر.
وخصص ابن الخطيب القسم الثالث من الكتيبة لـ "طبقة القضاة أولي الخلال المرتضاة" وعلى قدر هذا التكريم الذي خلعه ابن الخطيب على القضاة في هذا العنوان، كان التحقير في شأنهم كأدباء شعراء، فيقول في تقديمه لهذه الفئة: "وهذه الطبقة منحطة في البيان،