في المشرق مع الفارق -طبعًا- بين حجم وقدر هذا وذاك. "فالكتيبة الكامنة" تترجم لمائة شاعر وثلاثة في مجلد واحد، بينما "الدرر الكامنة" تترجم لخمسة آلاف ومائتين وأربعة أعلام بينهم العديد من الشعراء في خمسة مجلدات كبيرة حسبما سبق الحديث في باب كتب التراجم.
هذا ويمكننا أن نلخص منهج الكتاب وملامحه في النقاط الآتية:
أولًا: إن ابن الخطيب ألف كتابه سنة 774هـ أي بعد أن ترك الوزارة وأقام في المغرب وفي مدينة فاس بالذات حين تخفف من أعباء الرياسة وتبعاتها والدنيا ومتاعبها "فجعلت الهدية من جنس ما تتشوف إليه النفوس الغنية وتتجر في أسواقه الهمم السنية، من وضع يستظرف، أو اختراع إليه يستشرف، وأثر يدل على طور المتوسل، وطريقة المتعرف المسترسل، يظهر منه مصرف عنايته، وشرح كتابته ... فجمعت في هذا الكتاب جملة وافرة، وكتيبة ظاهرة، ممن لقيناه في بلدنا الذي طوينا جديد العمر في ظله، وطاردنا قنائص الآمال في حرمه وحله، ما بين من تلقينا إفادته، أو أكرمنا وفادته، وبين من علمناه وخرجناه، ورشحناه وودجناه ومن اصطفيناه ورعيناه، فما أضعناه ... والمقصود إنما هو إلمام بتعريف، وجلب أدب ظريف، وخبر طريف وسميت هذا الوضع بالكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة".
لعل هذه الكلمات التي عمدنا إلى اقتطاعها من مقدمة ابن الخطيب لكتابه بأسلوبه، وقلمه توضح لنا جانبًا من فكرة المؤلف إزاء كتابه، وأنه عمد إلى الإطراف وإلى التعريف بمعاصريه من الشعراء أو الأدباء الأندلسيين وحدهم دون غيرهم، مثلما فعل ابن بسام في الذخيرة مثلًا، حين ترجم لبعض أدباء المشرق.
وبمناسبة ذكر ابن بسام فلعلنا ما زلنا نذكر استعلاءه ومحاولته النيل من المشارقة على حساب أدباء الأندلس وشعرائه، أما الأمر عند ابن الخطيب، فليس كذلك بل لعل العكس هو الصحيح تمامًا، فلسان الدين بن الخطيب يتحدث عن وقع كتابه لدى المشارقة، ولعله كان قد أهداه إليهم حسبما ذهب صديقنا الدكتور إحسان عباس في مقدمته وهو يحقق الكتاب. إن ابن الخطيب يقول في أدب جم في خطبة كتابه ومقدمته "وإن كان جالب هذا الكتاب إلى البلاد المشرقية أعز الله أهلها، وأمن حزنها وسهلها، جالب نغبة* إلى غدير، وحبابة إلى كأس مدير ... ولو كانت الهدايا التي تجلب إلى أبوابهم، لالتزام ثوابهم، يشترط فيها المماثلة لمحالهم العالية، والمناسبة لأقدارهم الغالية، لسد الباب وعجزت