عبد الحكيم العالم المصري المتوفى سنة 257هـ الذي تتلمذ عليه عدد من علماء المغاربة والأندلسيين، ويعتبر كتاب ابن عبد الحكم من أدق الكتب التي عالجت تاريخ فتح الأندلس، وقد يكون من الأمور الطريفة أن يصبح هذا الكتاب مصدرًا للمؤرخين الأندلسيين أنفسهم مثل ابن الفرضي في كتابه "تاريخ علماء الأندلس" وابن خير في "الفهرست" والحميدي في "جذوة المقتبس" وغيرهم1.
وعبد الرحمن بن الحكم ينتمي إلى أسرة علم وفضل ورياسة، فإن الإمام الشافعي لما نزل مصر أقام عندهم فترة من الزمن وكان موضع ترحيب من لدن عبد الله والد عبد الرحمن كما أن لعبد الرحمن أخًا نجيبًا هو محمد بن عبد الله بن الحكم الذي كان صديقًا للإمام الشافعي وموضعًا لتقديره لعلمه وفضله وفقهه، وقد انتهت إلى محمد هذا الرئاسة في مصر2، ومن طريف الخبر أن أسرة ابن عبد الحكم على الرغم من وثيق صلتها بالشافعي كانت على مذهب مالك.
وبين أيدينا كتاب آخر عن تاريخ الأندلس كتبه مؤلفه في القرن الثالث الهجري، أما الكتاب فهو "كتاب خلق الدنيا" وأما مؤلفه فهو عبد الملك بن حبيب الإلبيري المتوفى سنة 238هـ ولذلك فإن الكتاب يعرف بـ "تاريخ عبد الملك بن حبيب الألبيري"3.
وربما قفز إلى الخاطر القول بأن المؤلف أندلسي كما هو واضح من اسمه ونسبته، وهذا أمر كامل الصواب، فالرجل أندلسي، قرطبي الوفاة، ولكنه ترك الأندلس فترة طويلة من الزمان، ووفد إلى مصر وعاش فيها ودرس على علمائها وفيها ألف كتابه هذا الذي هو موضوع حديثنا، مستقيًا أخباره ومادته المصرية، على الرغم من أن المؤلف عاد في آخر أيامه إلى قرطبة حيث اشتغل معلمًا بمسجدها.
وهكذا تكون الكتابة عن الأندلس تاريخًا وإخبارًا وأدبًا إلى حد ما قد بدأت في مصر على يد عالم مصري، وآخر أندلسي الميلاد مصري الثقافة والإقامة، وبعد ذلك كان الأندلسيون قد بلغوا رشدهم الثقافي فتناولوا أمورهم الثقافية والأدبية، والتاريخية بأنفسهم فأصدروا تلك الكنوز الثمينة من الكتب في مختلف فنون المعرفة ومن بينها الأدب الذي هو موضوع دراستنا في هذا المقام.