تمام دون غيره من أصحاب الحماسات.
ولكن ابن الشجري ربما فكر في أن يجعل هذه الفصول المتنافر منها والمتآلف تحت عنوان أقرب ما يكون إلى علم البيان وهو التشبيهات، ومن ثم التمس لنفسه عذرًا فحشد هذا الشتات المتآلف والمتخالف تحت فصل واحد يجمعه عنوان التشبيهات.
أما بقية التفريعات الأخرى مثل فصل الليل والنجوم، والهلال والصبح، أو الرياض والمياه والنبات، أو السحاب والغيث والبرق، أو آلة الحر، أو الكتب والخط، أو الشعر، أو الشيب أو الخضاب، فإنه مما يمكن أن يجمع تحت باب واحد.
وأما فصل الخمر فأكثره لأبي نواس فقد أتى فيه وحده بتسع عشرة قصيدة أو مقطوعة، وجاء لغيره من بقية شعراء العربية بأربع عشرة قصيدة أو مقطوعة، ومع أن أبا نواس هو أشهر شعراء الخمراء فإن طبيعة منهج الاختيارات يقتضي التنوع، ولو شاء ابن الشجري لتمثل لشعراء مجيدين في هذا الفن من شعراء القرن الرابع الذين أهمل شأنهم، وأخمل ذكرهم وفي مقدمتهم كشاجم والوأواء الدمشقي والسري الرفاء والصنوبري، ولكل منهم في الخمر أبيات فريدة ومعانٍ مبتكرة، بل إن واحدًا منهم هو كشاجم قد ألف كتابًا أسماه "أدب النديم" ذكر فيه الكثير من شعر الخمر، من وصف وتشبيهات وصفات للنديم، والساقي، والاستضافة، والاستهداء إلى غير ذلك مما فضله المتأخرون من الشعراء وبرعوا في إجادة القول فيه.
على أنه من النصفة بمكان أن نذكر لابن الشجري في هذا الباب الأخير أمرين على جانب من الأهمية والخطورة:
الأمر الأول: هو تذوقه الفني للشعر وشفافيته الصافية في حسن الاختيار بحيث قدم في أكثر فصول هذا الباب الطويل نماذج من طرف الشعر وبديعه، وهل هناك ألطف من أبيات ابن الرومي وهو يصف غروب الشمس قائلًا1:
إذا رنقت شمس الأصيل ونفضت ... على الأفق الغربي ورسا مدعدعا
ولاحظت النوار وهي مريضة ... وقد وضعت خدًّا إلى الأرض أضرعا
كما لاحظت عواده عين مدنفٍ ... توجع من أوصابه ما توجعا