وفي نطاق باب النسيب يفرد ابن الشجري، فصلًا لطيفًا يضم مقطوعات عدة قيلت في الحنين إلى الأوطان، ثم يتبعها بفصل آخر في الارتياح عند هبوب الريح، وآخر في الاشتياق عند لمعان البروق، وآخر في النزاع عند نوح الحمام، وغيره في الشوق عند حنين الإبل يتبعه بفصل في الطيف، والخيال أكثر مقطوعاته للبحتري، ولشدة إعجاب ابن الشجري بمن عرفوا بالشعراء المحدثين يجعل آخر فصل في باب النسيب هذا الوفير الفصول لمقطتفات أكثرها من شعر هؤلاء المعروفين بهذه الصفة.
إنه باب ممتع على كل حال من أبواب حماسة ابن الشجري.
ثالثًا: إن أكبر باب من أبواب هذه الحماسة، هو باب الصفات والتشبيهات، إنه باب جديد على الحماسات وأما الصفات فقد فهمنا أنه قصد بها الوصف ولا بأس في ذلك، ولكن أن يقرن المصنف الوصف بالتشبيه ويفرد لهما بابًا واحدًا وإن تعددت فصوله، فذلك شيء جديد على فن الحماسات إن جاز لنا أن نسمي هذا اللون من التصنيف فنًّا، لقد ضم هذا الباب ثلاثمائة وثماني وخمسين حماسية -أي مقطوعة أو قصيدة- وهذا يعني أن هذا الباب استغرق ثلث الديوان مضافًا إليه أربعًا وأربعين مقطوعة.
لقد فرضت طبيعة الباب، وتشعب موضوعاته على ابن الشجري أن يقدمه بهذا الطول، وأن يقسمه إلى فصول عدة هي حسب ترتيبها: فصل من صفات النساء، فصل في وصف النار، فصل في وصف التنائف والوحش، والإبل، والركب وأخبية السفر، الصفات، والتشبيهات في الليل والنجوم والمجرة والهلال والصبح، الصفات والتشبيهات في الرياض والمياه والنبات، الصفات والتشبيهات في السحاب والغيث والبرق، صفات آلة الحرب وتشبيهاتها، صفات الكتب والخط وآلته، صفات الشعر، الصفات في الشيب والشباب والخضاب، الصفات والتشبيهات الخمرية، التشبيهات الغزلية، تشبيهات المدح، تشبيهات الهجاء، تشبيهات وصفات في معانٍ مختلفة.
قد يبدو لنا أنه كان من الميسور على المصنف أن يختصر هذا الباب الطويل في ما لو رد الكثير من فصوله إلى أبوابها الأصيلة، ففصل النساء مثلًا يضم مقطوعات من عذوبة الريق، وطيب الحديث، والعين والنظر، والوجه والثغر، وحسن الحديث وطيبه، وهو فصل طويل نوعًا وكان من الممكن أن يدخل في باب النسيب الذي أفرد له المصنف بابًا سبق لنا استعراضه والحديث عنه. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن التشبيهات الغزلية.
وفصل تشبيهات المدح كان من الممكن أن يلحق بباب المديح، والشيء نفسه يمكن أن يقال بالنسبة إلى فصل تشبيهات الهجاء، وهكذا يكون ابن الشجري قد خرج عن جادة المنهج السليم، الذي انتهجه أبو تمام في حماسته طالما كان تبويبه أقرب ما يكون إلى أبي