أولًا: إن باب الحماسة -باب الشدة والشجاعة- الذي عودنا أصحابها السابقون وبخاصة أبو تمام أن يكون أطول باب من أبواب هذا اللون من التصنيف، لم يعد أطول الأبواب عند ابن الشجري، فإن عدد حماسياته لم تزد على مائة وإحدى وثمانين في حين عدد الحماسيات جميعًا تسعمائة وأربع وأربعون. وليس ذلك هو ما لفت نظرنا وحده، وإنما هناك ظاهرة أخرى بدت واضحة في طريقة اختيار ابن الشجري لشعراء هذا الباب، فبعد أن كانت الأبيات تنتخب للشعراء الفرسان من جاهليين وإسلاميين دون ما سمة مذهبية لاحظنا أن صفة ابن الشجري الشيعية الهاشمية تنعكس على اختياراته في باب الشدة والشجاعة، فإلى جانب شعر عنترة، وعمرو بن معد يكرب، وشعراء المعلقات نجد شعرًا لكل من العباس، وأبي طالب ابني عبد المطلب1 وإن كان قد خص أبا طالب بخمس حماسيات، وعبد المطلب بحماسية واحدة، هذا فضلًا عن شعر وقعتي الجمل وصفين.
ولكن الرجل والحق يقال لم يغفل ذكر شعر بعض معارضي الشيعة، فقد اختار حماسيات لقطري بن الفجاءة رأس الخوارج، ونفر آخر من الشراة، بل إنه أتى بعدة حماسيات من شعر الصعاليك. ومهما يكن من أمر قصر هذا الباب نسبيًّا فإن به تلوينًا لا بأس به وتنويعًا وتفريعًا لشعر الحماسة، الأمر الذي دفع به إلى أن يجعل عنوان بابه الأول الشجاعة والشدة.
ثانيًا: عمد ابن الشجري إلى تفريع بعض أبواب حماسته تفريعًا فنيًّا فيه الكثير من التشويق، والتنويع بخاصة في بابي النسيب، والصفات والتشبيهات، وهذا الباب الثاني لنا معه حديث بعد قليل، فإذا ما عرضنا لباب الغزل وجدنا ابن الشجري يقسم هذا الباب إلى فصول عدة، جعل الفصل الأول لاختيارات من شعر العشاق المشهورين في نطاق حماسيات يبدون من خلالها شكواهم ولوعتهم ووجدهم وصبابتهم مثل المجنون، وقيس بن ذريح ويزيد بن الطثرية، وعروة بن حزام، وجميل بن معمر، وكثير بن عبد الرحمن، والأحوص، والعرجي، وبعض من أحسنوا القول في الغزل مثل سحيم، وأبي حية النميري، والحسين بن مطير. وفي الفصل نفسه يأتي بقطعتين من غزل النساء لأم الضحاك المحاربية، وقطعة لضاحية الهلالية. ولعل من الغرابة بمكان أن يختار ابن الشجري لأكثر الشعراء العشاق من عذريين وماديين ويغفل أو ينسى عمر بن أبي ربيعة في حين أتى بمقطوعات لتلميذيه الأحوص، والعرجي. إن هذا الفصل من باب الغزل يشتمل على غنائيات كثيرة مما يطرب له السمع، وتلذ الأذن ويهتز الوجدان.