الرغم مما اتهم به من زندقة صاحب شعر عذب المعاني، نفيس القيمة، موشى بالحكمة والأخلاق.
نقول: إن البحتري وقف باختياراته عند بعض المخضرمين، وليس كلهم فليس يذكر الحسين بن مطير ولا ابن ميادة ولا مروان بن أبي حفصة، وكل هؤلاء شعراء مجيدون من مخضرمي الدولتين، وهو بالتالي لم يذكر أحدًا من الكبار العباسيين، ولم يختر لهم على الرغم من أن شعر كثير منهم يعتبر كله اختيارات كالعتابي والخريمي ومسلم بن الوليد وأشجع السلمي وأبي العتاهية، وفي النهاية أستاذه وموجهه أبي تمام.
أما حماسة أبي تمام، فلم يغفل صاحبها عن أن يأتي بكثير من الاختيارات النفيسة لعدد غير قليل من الشعراء المعاصرين له، وهذه ميزة كبرى، ميزة السبق الزمني على الرغم من أن أبا تمام مات قبل البحتري بأكثر من نصف قرن من الزمان.
وأخيرًا وبعد هذا العرض وتلك المقارنة السريعة فإن صاحب السبق فضلًا، وللمتبع أيضًا فضل، وإن هذه تكمل تلك بالنسبة للدارس المحصل، غير أن حماسة البحتري -والحق يقال- لم تلق ما هي خليقة به من الاحتفال حتى الآن، ففي الوقت الذي حظيت فيه حماسة أبي تمام بالعدد الوفير من الشراح من أعلام القدامى والمحدثين، فإن حماسة البحتري، وهذه قيمتها، وتلك نفاستها لم تجد حتى الآن من يعطيها جزءًا يسيرًا من الاهتمام التي حظيت به أختها حماسة أبي تمام.