بين قصيدة ومقطوعة، فإن حماسة البحتري تضم ألفًا وأربعمائة وأربعًا وخمسين حماسية ما بين قصيدة ومقطوعة.
ونستطيع أن نوضح منهج حماسة البحتري وملامحها على الوجه التالي:
أولًا: عمد البحتري إلى الإكثار من وضع عناوين لأبواب حماسياته بحيث صارت إلى العدد الكبير الذي ذكرناه قبل قليل ربما ليعين القارئ على الانتفاع بهذه المختارات وييسر له طريق الانتفاع بها، فهو يجعل للشيب والشباب على سبيل المثال سبعة أبواب تبدأ من الباب المائة والستة عشر، وتنتهي عند الباب المائة والثاني والعشرين، وهذه الأبواب السبعة تضم مائة وسبعًا وثلاثين حماسية.
بل إن البحتري -في نطاق منهجه الذي ييسر من خلاله على القارئ- يجعل عناوين أبواب الشيب والشباب على النحو التالي:
الباب رقم 116 يتمثل فيه بما قيل في الشباب والشيب بإحدى وأربعين حماسية، ويجعل الباب رقم 117 فيما قيل عن الاعتذار عن الشيب، والباب رقم 118 فيما قيل في مدح الشباب، والباب 119 فيما قيل في قبح الصبابة بذي الشيب، والباب 120 في مدح الشباب وذم الشيب، وكل باب من هذه التي ذكرنا -باستثناء الباب 116 - يضم ثماني حماسيات، ثم يجعل الباب رقم 121 فيما قيل في مدح الشيب وذم الشباب، ويأتي فيه بست حماسيات، ثم يجعل الباب رقم 122 فيما قيل في الكبر والهرم ويضم سبعًا وثلاثين حماسية.
إن البحتري قصد في منهج وضع اختياراته إلى التفصيل عمدًا، بل إنه جعل من الحماسة نفسها -التي احتلت بابًا واحدًا عند أبي تمام- تمثل عنده خمسة عشر بابًا على الترتيب التالي ابتداء بالأول وانتهاء بالباب الخامس عشر: فيما قيل في حمل النفس على المكروه، فيما قيل في الفتك، فيما قيل في الإصحار للأعداء والمكاشفة لهم وترك التستر منهم، فيما قيل في مجاملة الأعداء وترك كشفهم عما في قلوبهم، فيما قيل في الإطراق حتى تمكن الفرصة، فيما قيل في بقاء الإحنة ونمو الحقد وإن طال الزمن، فيما قيل في الأنفة والامتناع عن الضيم والخسف، فيما قيل في ركوب الموت خشية العار، فيما قيل في الاستسلام على الذل بعد الامتناع، فيما قيل في التحريض على القتل بالثأر وترك قبول الدية، فيما قيل في الامتناع عن الصلح، فيما قيل في التشمير عند الحرب ورفض النساء، فيما قيل في إدراك الثأر والاشتفاء من العدو، فيما قيل في ذم الفرار والتعبير به، فيما قيل في استطابة الموت عند الحرب.
بل إن البحتري يغلو في إطالة عنوان الباب غلوًّا شديدًا يخرجه عن طبيعة كونه عنوانًا،