وإذا كانت اختيارات البحتري قد حملت اسم "الحماسة" عنوانًا لها فإن ذلك يعني أنه اقتفى أثر أبي تمام في إطلاق اسم الجزء على الكل، فإن البحتري استهل "حماسته" بالعديد من الأبواب في ذكر شعر الحماسة، فإذا كان أبو تمام قد استهل حماسته بالقصيدة المشهورة:

لو كنت من مازن لم تسبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

فإن البحتري يستهل حماسته بأبيات عمرو بن الإطنابة الخزرجي التي يقول فيها1:

أبت لي عفتي وأبى إبائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح

وإعطائي على المعسور مالي ... وضربي هامة البطل المشيح

وقولي كلما جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي

وأدفع عن مكارم صالحات ... فأحمي بعد عن عرضٍ صحيح

وهي أبيات ربما فاقت في سمو معانيها، وشدة حماستها معاني أبيات العنبري التي افتتح بها أبو تمام حماسته، إن هذه الأبيات الحماسية التي استهل بها البحتري حماسته كانت السبب فيما يروى عن معاوية بن أبي سفيان في ثباته يوم صفين وعدم فراره، قد روي عنه أنه قال: لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين وهممت بالفرار فما منعني إلا قول ابن الإطنابة:

أبت لي عفتي وأبي إبائي ... وأخذي الحمد بالثمن الربيح

إلى آخر الأبيات:

وإذا كان أبو تمام قد جعل "حماسته" في أحد عشر بابًا، فإن البحتري قد جعل "حماسته" في مائة وأربعة وسبعين بابًا، ولكن شتان الفرق بين الباب عند أبي تمام وبينه عند البحتري، فهو عند الأول أطول ويحتوي على موضوعات فرعية أكثر، ولكن الذي لا شك فيه أن حماسة البحتري أكبر من حماسة أبي تمام من حيث عدد المقطوعات والقصائد التي ضمتها دفتا كل منهما، فإذا كانت حماسة أبي تمام تضم ثمانمائة وإحدى وثمانين حماسية ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015