المقنع وتوليدًا للغيرة وإحياء للنخوة في قوم متكاسلين عن نصرة أحد بني قومهم.

وينهي أبو تمام مختاراته "حماسته" بالمقطوعة رقم 881 وفيها يروي لشاعر لم يذكر اسمه1:

صوت النواقيس بالأسحار هيجني ... بل الديوك التي قد هجن تشويقي

كأن أعرافها من فوقها شرف ... حمر بنين على بعض الجواسيق

على نعانع سالت في بلاعمها ... كثيرة الوشي في لين وترقيق

كأنما لبست أو ألبست فنكًا ... فقلصت من حواشيه عن السوق*

وإذا كانت آخر الأبواب في "الحماسة" باب مذمة النساء فإن هذه المقطوعة الأخيرة لا تمت إلى ذلك الموضوع بسبب، بل هي في وصف الديكة، ولذلك فإن الشارح لا يفوته أن يستدرك على ذلك، فيقول: "وهذه المقطوعة وما قبلها، باب الصفات أولى بهما فاتفق وقوعهما هنا، وهذا آخر الاختيار، والحمد لله رب العالمين وصلواته على النبي محمد وآله أجمعين".

هذا ونود أن نشير في مقام التعريف بحماسة أبي تمام إلى أمور عدة هامة:

أولًا: الذوق الرفيع الذي اتسم به اختيار أبي تمام للقصيدة، أو المقطوعة من حيث تصويرها للغرض الذي اختيرت من أجله، وهذا يبين مدى الجهد الذي بذله أبو تمام في انتقاء هذه المختارات فضلًا عن موهبته وجلده، وهو يعمد إلى الشعر الجيد الذي يفي بالغرض الذي جمعه ونال إعجابه بسببه بغض النظر عن شهرة الشاعر أو غمرته. ومن ثم فإن كثيرًا من قصائد الحماسة ومقطوعاتها لشعراء مغمورين، بل أحيانًا لشعراء غير معروفة أسماؤهم، وإن هذه الإجادة في الانتقاء والبراعة في الاختيار جعلتا التبريزي أحد شارحي "الحماسة" بنسب إلى بعض المتأدبين قولهم: إن أبا تمام في اختياره الحماسة أشعر منه في شعره2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015