من مأثور القول عن ذوق أبي تمام وثقافته -وما أكثر ما قيل في ثقافته وذوقه وموهبته- أن الحسن بن رجاء قال: ما رأيت أحدًا قط أعلم بجيد الشعر قديمه وحديثه من أبي تمام. وإن هذا الرأي في علم أبي تمام بالشعر وجيده وروائعه قد أجمع عليه الذين ترجموا له ابتداء من أبي بكر الصولي في كتابه "أخبار أبي تمام" مرورًا بأصحاب الطبقات من أطال منهم ومن أوجز إلى عصرنا الحاضر.
فإذا ما دعت الضرورة أبا تمام، لأن يختار شيئًا من شعر العرب كنماذج لموضوعاته المختلفة، فإننا نتوقع في غير شك حشدًا من الشعر المختار، وعددًا من القصائد المنتقاة وأشتاتًا من المقطعات المصطفاة.
وأما كيف اختار أبو تمام حماسته ولماذا؟ فمرد ذلك إلى المصادفة المحضة، ذلك أن أبا تمام كان قد توجه إلى خراسان ليمدح عبد الله بن طاهر بن الحسين، ولما كان في طريق عودته مارًّا بهمذان استضافه أبو الوفاء بن سلمة أحد فضلاء المدينة وأكرم وفادته، وكان الفصل شتاء، وأصبح أبو تمام ذات يوم ليجد الثلوج قد تراكمت وسدت المنافذ والدروب، فأصاب الحزن صدر أبي تمام وسأل مضيفه عن المدة التي يذوب فيها الثلج، وتمهد المسالك والدروب، فقال له المضيف: وطن نفسك على هذا المقام فإن الثلج لا ينحسر إلا بعد زمان غير قصير. وهنا لم يجد أبو تمام بدًّا من أن يتوفر على القراءة في مكتبة مضيفه فجمع خلال تلك المدة فصولًا من الشعر ضمت منه فنونًا وفصولًا فأطلق عليها اسم "الحماسة" على