هنا كانت مادة الحظيري في "زينة الدهر" تمثل التخصص الزمني في قرن بذاته بدأ من حيث انتهى الباخرزي وانتهى قبيل وفاة المؤلف.
والحظيري عاش ومات في أطراف بغداد في موضع يقال له الحظيرة، وكان أديبًا شاعرًا، وله ديوان شعر، ذكر ابن خلكان أطرافًا منه بدت سقيمة في نظري رغم إعجابه بها؛ ربما لأن اختيارها كان في فن من فنون الغزل الذي ترفضه الأذواق وتنكره الأخلاق.
غير أن الطريف في أمر الحظيري أنه كان وراقًا ودلال كتب، ومع ذلك قدم لأدبنا عدة مؤلفات غير "الزينة" منها "لمح الملح" و "الإعجاز في الأحاجي والإلغاز"، ومعنى ذلك أن الأدب والتأليف، والكتابة كانت متاحة لمن له القدرة على ذلك، ولم تكن مقصورة على طبقة بعينها تحتكر تسويد الصفحات اقتحامًا دون ما استعداد أو تأهل أو تخصص، فتؤذي أذواق الناس بما تفرضه على أذهانهم، متخفين وراء لقب أو محتمين بجاه سلطان.
7- عماد الدين محمد بن محمد صفي الدين المشهور باسم العماد الأصفهاني 19هـ-197هـ وقد قدم العمل الأدبي الكبير الذي أسماه: خريدة القصر وجريدة العصر". وليست الخريدة هي العمل العلمي والفني الوحيد لعماد الدين الأصفهاني، بل إن له تآليف عديدة قيمة تأخذ شكل الموسوعات مثل كتاب "البرق الشامي في أخبار صلاح الدين وفتوحاته" وله ديوان رسائل، وديوان شعر، وله أيضًا كتاب "نصرة الفترة وعصرة القطرة" في أخبار الدولة السلجوقية.
وسوف نلحظ أن العماد متأثر كل التأثر بأسلوب زمانه من حيث الصناعة البديعية التي لم تكن تنسحب على أعماله الفنية وحدها من شعر وكتابة، وإنما انسحبت أيضًا على عناوين كتبه مثل كتابنا هذا الذي نقدم له "خريدة القصر وجريدة العصر" فالمجانسة واضحة بين خريدة وجريدة وبين القصر والعصر، وهي أكثر وضوحًا وتصنعًا في كتابه "نصرة الفترة وعصرة القطرة" الذي مر ذكره قبل قليل. وغلو العماد في صناعته الفنية لم يكن يخلو أحيانًا من طرافة، فهو صاحب الأبيات التي تعتبر مثالًا صارخًا للصنعة البديعية في قوله موجهًا أبياته إلى القاضي عبد الرحيم البيساني:
أما الغبار فإنه ... مما أثارته السنابك
والجو منه مظلم ... لكن أنارته السنا بك
يا دهر لي عبد الرحيم ... فلست أخشى مس نابك
بل إنه كثيرًا مما عمد إلى الأحاجي في اصطناعه الإطراف الأدبي كإنشاء جمل تقرأ طردًا وعكسًا، فقد رأى القاضي الفاضل، وهو يمتطي صهوة جواده، فقال له، فيما يظن البعض أنها بديهية: سر فلا كبا بك الفرس. وإذا نظرنا إلى هذه الجملة وقرأناها من اليسار إلى اليمين