والباخرزي -شأنه في ذلك شأن الثعالبي النيسابوري- لم يكن مجرد مؤلف لكتاب طبقاته، ولكنه كان شاعرًا أديبًا كاتبًا محدثًا فقيهًا، فقد كان ملازمًا للشيخ أبي محمد الجويني، والد إمام الحرمين الجويني. وللباخرزي مشاركة وافرة في قول الشعر، ويذكر ابن خلكان أن شعره مجلد كبير تغلب عليه الجودة والمعاني الغريبة. وفي الحق أن شعره صورة دقيقة لشعراء عصره الذين أوغلوا في الصنعة إيغالًا شديدًا ولكنه مع ذلك لم يخل من طرافة مثال ذلك قوله في شدة البرد:
كم مؤمن قرصته أظفار الشتا ... فغدا لسكان الجحيم حسودا
وترى طيور الماء في وكناتها ... تختار حر النار والسفودا
وإذا رميت بفضل كأسك في الهوا ... عادت عليك من العقيق عقودا
يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرك لنا عودًا وحرق عودا
ونحن نلاحظ، فضلًا عن طرافة المعاني، التلاعب بالألفاظ من جناس بين "عقيق وعقود" و "حرك وحرق"، كما نلاحظ أيضًا اللف والنشر في البيت الأخير.
فإذا كان لنا أن ننعطف إلى الحديث ثانية عن "دمية القصر" فهي واحدة من حلقات سلسلة الطبقات بعد حلقة "يتيمة الدهر".
وقد ذكر ابن خلكان أن أبا الحسن علي بن زيد البيهقي، قد وضع كتابًا يعتبر ذيلًا للدمية أسماه "وشاح الدمية" وإن كان هذا الكتاب، الذي نعتقد أنه من الفائدة بمكان، لم يصل إلينا لسوء الحظ.
6- سعد بن علي بن القاسم الأنصاري الوراق الحظيري الملقب بأبي المعالي المعروف بدلال الكتب المتوفى سنة 568هـ صاحب "زينة الدهر وعصرة أهل العصر وذكر ألطاف شعر العصر" ولعلنا نلاحظ هنا أيضًا أن اسم الكتاب طويل نوعًا، ويتكون من ثلاث سجعات، ومن ثم كان اختصاره أمرًا مطلوبًا لدى جمهور الأدباء فأطلقوا عليه جزءًا منه فقال "زينة العصر".
وزينة الدهر تعتبر ذيلًا على دمية القصر للباخرزي، أو بالتعبير السوي هي حلقة ثمينة في السلسلة العظيمة لكتب طبقات الشعراء المخصصة في عصر بذاته.
ولعلنا نلاحظ أن قرنًا كاملًا من الزمان يشكل الفارق بين الباخرزي، والحظيري، ومن