الفارسي تتصل بالموضوع الذي يعرض له من قريب حينًا، ومن بعيد حينًا آخر، ويكمل المحاضر مجلسه، أو بالأحرى درسه، بأنماط من الموضوعات مترابطة ومتباعدة، توشى بالآية القرآنية حينًا، وبيت أو بيتين من الشعر أحيانًا، وبقضية نحوية حينًا ثالثًا حتى يستوفي مجلسه أو درسه أو إملاءه1.
ثانيًا: والعنصر الثاني من عناصر الأمالي هو الشعر، وقد كان ابن الشجري يمنحه الكثير من العناية في التناول والبسطة في الشرح إلى المدى الذي يجعل مجلسًا بكامله لدراسة بيت واحد من الشعر كما هو الحال في المجلس الخامس، أو المجلس السادس، فالمجلس الخامس بأكمله يستغرق شرح بيت للشريف الرضي في مدح الطائع العباسي وفيه يقول:
قد كان جدك عصمة العرب الألى ... فاليوم أنت لهم من الإعدام
وإذا لم يكن البيت من جودة البناء ولا من رقة الشاعرية بمكان، فإنه من وجهة نظر ابن الشجري يؤدي غرضين على الأقل، الغرض الأول ينضوي تحت معنى التحية والتكريم للشريف الرضي يذكره في مجلسه لما بينهما من وشائج القربى وصلة المذهب، فضلًا عن أن كلا من الشريف وابن الشجري كان نقيبًا للطالبين رغم أن الفرق الزمني بينهما يزيد على قرن من الزمان، والغرض الثاني أدبي محض، فإن صاحب الإملاء يقضي مجلسه في شرح الكلمات، وإبانة مستبهم المعاني التي قصد الشاعر إليها، ويستطرد بالإتيان بنماذج لشعراء سابقين في المعنى نفسه أو قريبة منه، ويقوم على تحليل هذه النماذج الجديدة تحليلًا مفصلًا مطولًا فيه استطراد وإطناب2.
ويتكرر ذلك عند ابن الشجري أكثر من مرة عندما يجعل المجلس السادس كله لبيت المتنبي:
وتراه أصغر ما تراه ناطقًا ... ويكون أكذب ما يكون ويقسم
أو عندما يقضي المجلس الثاني عشر كله في تناول بيت للشاعر نفسه هو قوله:
أي يوم سررتني بوصالٍ ... لم ترعني ثلاثة بصدود
ولعلنا نلاحظ أن ابن الشجري لا يختار البيت لجمال ظاهر فيه، وإنما الأمر على