الترخص في القول أو السطحية في التناول، هذا وإن الروح العلمية والحس الأدبي لا يتخليان عن الرجل في كل مجالسه التي أحصيت بأربعة وثمانين مجلسًا، وإن كان الذي بين يدي منها ثمانية وسبعون لا غير، ومن الطريف أن أكثر هذه المجالس ينص قبل البداية في تسجيلها على اليوم والتاريخ، الذي ألقيت الأمالي فيهما.

وإذا كان لنا أن نقدم صورة لأمالي ابن الشجري ومادتها فإننا يمكن أن نلفت النظر إلى أهم موضوعاتها على النحو التالي:

أولًا: تفسير القرآن الكريم، فقد احتل التفسير عددًا من المجالس مثل الثامن، والتاسع، والعاشر، والسادس والسبعين، وبعض الفصول من المجلس الثالث والستين، والرابع والستين والتاسع والستين، وهذه المجالس الثلاثة الأخيرة قد خصصت لموضوعات أساسية أخرى، وكان التفسير القرآني فيها أمرًا فرعيًّا حسبما سنبين بعد قليل.

فإذا ما تمثلنا لواحد من المجالس التي خصصت للتفسير مثل المجلس الثامن فإننا نجد ابن الشجري قد خصصه لتفسير الآية الكريمة: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} ولعل أهم ملحظ نلحظه في طريقة تفسير صاحب الأمالي، أنه يبدأ من منطلق لغوي نحوي ويلح عليه إلحاحًا شديدًا ويقف عند القضايا النحوية مبديًا رأي كل من النحاة البصريين والكوفيين. وهو في تفسيره يستعين بالعديد من الآيات القرآنية الأخرى، ويستشهد بالكثير من الأبيات الشعرية التي تعينه في تفسيره وتخدم وجهة نظره.

هذا وابن الشجري يعمد في تفسيره إلى الصيغة الجدلية، وهي طريقة المعتزلة في البرهان، كقوله: فإن قيل كذا قيل كذا، وهلم جرَّا1.

وفي المجلس السادس والسبعين يفسر السورة الكريمة: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ، فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} . ولكنه في تفسيره يمزج الفكر الديني بالفروض والتكاليف بعلوم اللغة بفنون النحو بشواهد الأدب بقضايا الإعراب بمذاهب اللغويين والنحاة، مع الاستعانة بالعديد من الآيات القرآنية.

على أن ابن الشجري لا يجد مجلسه قد استوفى درسًا، أو ربما أحس بأن الزمن الذي استغرقه تفسير الآية لا يشكل مجلسًا متكاملًا، فينتقل إلى مواضع أدبية وتقديم نماذج شعرية في وصف الأسد للمتنبي، ووصف الفرس للجعدي، ويذكر آراء ونظريات لأبي علي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015