واحذر ممازحة تعود عداوةً ... إن المزاح على مقدمة الغضب

ومن مثالياته التي صورها حكمه في شعره قوله:

وتجنب الظلم الذي هلكت به ... أمم تود لو أنها لم تظلِمِ

إياك والدنيا الدنية إنها ... دارٌ إذا سالمْتَهَا لم تَسْلَمِ

أما مؤلفات ابن الشجري، فهي وإن لم تكن كثيرة العدد إلا أنها نفيسة القيمة عظيمة القدر خطيرة الشأن جليلة الأثر، وهي الأمالي - موضوع حديثنا- والحماسة التي حاكى في تأليفها حماسة أبي تمام، ومختار الشعراء، وهذه الكتب الثلاثة مطبوعة، وله أيضًا شرح التصرف المملوكي، وشرح اللمع لابن جني، وكتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه.

وأما كتابه "الآمالي" فإنه أنفس كتبه، وهو من الكتب الممتعة، أملاه في أربعة وثمانين مجلسًا، ونهج فيه نهج الشريف الرضي في أماليه، وطرق موضوعات القرآن، والحديث والأخبار والشعر، والنثر، وأخبار الشعراء، والخطباء وطرزه بكثير من الحكم، والطرف، والملح، وتبدو في موضوعات الكتب سمة الأديب حينًا وسمة اللغوي النحوي حينًا آخر، وقد كان أبو السعادات مبرزًا في الميدانين، على أن قوسه في اللغة أوسط وسهمه في النحو أوفر.

ومن الأحداث الغريبة أن ابن الشجري لما انتهى من إملاء كتابه حضر إليه أبو محمد عبد الله بن الخشاب الأديب اللغوي القارئ صاحب الخط الجميل، وطلب منه أن يسمع عليه "الأمالي" فاعتذر الشيخ عن ذلك، فانصرف ابن الخشاب غاضبًا، وتوفر على قراءة الكتاب محاولًا أن يرصد بعض الأخطاء، وكتب ردًّا على الأمالي مستعرضًا بعض ما ظنه خطأ فيه فوقع الرد في يد أبي السعادات الذي كتب ردًّا على الرد به وجوه خطأ ابن الخشاب، وجعله في كتاب صغير أسماه "الانتصار".

فإذا ما تتبعنا مواد الدرس التي ألقاها ابن الشجري من خلال أماليه فإننا سوف نلاحظ أنه كان يجلس، لكي يملي ما عنده من مادة في موضوع بذاته، ولكنه لا يتقيد بالحديث في موضوعه تقيدًا كاملًا، بل يتصرف في مجلسه ويستطرد وينوع، فيجمع في مجلس النحو مثلًا طرائف وأخبارًا، وفي حديث الشعر قضايا نحوية ونكتًا لغويةً وأسمارًا، وفي تفسير القرآن الكريم يقدم شواهد شعرية، ويقف على قضايا لغوية حسبما تمليه طبيعة المجلس والمادة الملقاة، ولكننا نحس في الوقت نفسه أن ابن الشجري قد أعد نفسه إعدادًا علميًّا لمجلسه قبل مواجهة مستمعيه بحيث يبدو فيه التركيز والجدية، مع خلفية علمية وافرة وابتعاد عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015