نواصي الشعر مكتملة وشائجة وأسبابه، قديرة واعية متقنة صناع، إنها كذلك في مختلف ميادين الشعر وأغراضه حتى ما كان منها متناقض الأهداف كالمديح والهجاء، أو كالغزل والزهد.
إنه يمدح المنذر بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط -وقد مر ذكر صلته به- فيقول هذا الشعر التقي ابتكارًا وإيقاعًا من جملة قصيدة طويلة1:
بالمنذر بن محمد ... شرفت بلاد الأندلسْ
فالطير فيها ساكن ... والوحش فيها قد أنسْ
وقد ظلت هذه القصيدة تسير في أعطاف السنين حتى قرعت أسماع أبي تميم، المعز لدين الله الفاطمي العبيدي ملك إفريقية، ثم مصر فشق عليه انتشارها بين الناس حفظًا وترديدًا، فما كان من شاعره أبي الحسن علي بن محمد الإيادي التونسي إلا أن أنشأ قصيدة يعارض بها سينية ابن عبد ربه إرضاء للمعز مطلعها:
ربع لزينب قد درس ... واعتاض من نطق خرس
ولكن الفارق بين القصيدتين جودة ورقة ومعنى كالفرق بين الثرى والثريا.
وعندما يكتب ابن عبد ربه شعرًا في لوعة الحب وانصراف الغواني عن العاشق مع انصراف شبابه فإنه يأتي بالطريف من المعاني في ثوب من جيد الشعر ورقة الإيقاع. وهذا قوله في الموضوع نفسه.
إن الغواني إن رأينك طاويًا ... برد الشباب طوين عنك وصالًا
وإذا دعوتك عمهن فإنه ... نسب يزيدك عندهن خبالا
ومن روائع أبياته التي يقول ياقوت إنها من شعره السائر2 هذان البيتان الساحران اللذان تأثر بهما ابن زيدون دون شك حين كان يبكي حبه ولادة بنت المستكفي مغتربًا في البلاد سائحًا في الربوع ضاربًا في مشارق الأندلس ومغاربها. يقول ابن عبد ربه في بيتيه القائلين:
الجسم في بلد والروح في بلد ... يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد