إن تبك عيناك لي يا من كلفت به ... من رحمة فهما سهمان في كبدي
هذا وللمتنبي في شعر ابن عبد ربه رأي جميل وإعجاب بادٍ، وكان يطلق على أحمد بن عبد ربه "مليح الأندلس" وهو بهذا اللقب جدير.
إن الفتح بن خاقان مؤرخ شعراء الأندلس وصاحب "المطمح" و "القلائد" يذكر أن الخطيب أبا الوليد بن عباد مر على مصر في طريق عودته بعد أداء فريضة الحج وتطلع إلى لقاء المتنبي -وكان إذ ذاك في مصر- فصار إليه حيث كان جالسًا في مسجد عمرو بن العاص. وبعد أن جرى بينهما بعض الحديث قال له المتنبي: أنشدني لمليح الأندلس -يعني ابن عبد ربه- فأنشده:
يا لؤلؤًا يسبي العقول أنيقا ... ورشا بتقطيع القلوب رفيقا
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... وردًا يعود من الحياء عقيقا
وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقا
يا من تقطع خصره من رقة ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا
فلما أكمل أبو الوليد إنشاده استعاده المتنبي ثم قال: يا ابن عبد ربه، لقد تأتيك العراق حبوًا1.
وقارئ شعر ابن عبد ربه لا يجد كبير غرابة في إعجاب المتنبي به، ذلك أن المتنبي وكثيرًا من معانيه عيال على معاني ابن عبد ربه وبخاصة في الحربيات.
ولابن عبد ربه شعر رائق في الزهد قاله حين تقدمت به العمر، وهو لم يفعل ذلك ندمًا على ذنوب تورط في اقترافها في غمرة شبابه، فقد كان الرجل طوال عمره صاحب عفة وتصون، وإنما قال في الزهد نسكًا وطبيعة. فمن قوله في الزهد في الدنيا الأبيات الحكيمة2: