وعايشهم ومدح مواطن المدح فيهم، وهم: المنذر بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط الذي قال عنه المؤرخون إنه لم يكن أحد من الخلفاء قبله في شجاعته وصرامته وحزمه وعزمه، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط الشجاع الأديب الباطش الشديد التواضع، وعبد الرحمن الناصر أشهر ملوك الدنيا وأسعدهم حظًّا وأطولهم فترة حكم1.

لقد مدح ابن عبد ربه هؤلاء الملوك الثلاثة، بل لقد ضمن كتابه "العقد الفريد" شعرًا طويلًا في التأريخ لانتصارات الناصر لدين الله، ومن ثم فقد كان الرجل على ولاء شديد وإعجاب أشد بهؤلاء الملوك الذين تحلوا بالأدب -فليس بينهم إلا شاعر- واتصفوا بالشجاعة، وتجملوا باحترام العلم وإجلال العلماء.

وابن عبد ربه يبدو شخصية واضحة المعالم من ناحية علمه، وأدبه، وخلقه، وسلوكه في آثاره الأدبية والعلمية التي تركها بين يدي الدارسين والمؤرخين والمتأدبين، وهذه الآثار تتمثل في شعره، وفي كتابه "العقد الفريد".

فأما ابن عبد ربه الشاعر فإن مكانته بين شعراء الأندلس تأتي في الصدارة، رغم أن الدارسين المحدثين لم يعنوا بذلك، وربما كان السبب في ذلك هو ضياع شعر الأديب الكبير الذي كان مجموعه فيما يذكر الحميدي نيفًا وعشرين جزءًا هي جملة ما جمعه الأدباء من شعره للحكم المستنصر الذي فتن بالكتب فأنشأ مكتبة كبيرة فريدة في ترتيبها وتنسيقها بين مكتبات ذلك الزمان، إن لم يكن هذا الزمان، مع إسقاط الوسائل الحديثة في سرعة الطباعة من الحساب. أما مكتبة المستنصر فكانت محتوياتها مزينة بجيد التجليد وأنيق التذهيب، وفنون الخط، وترتيب الفهارس وتنظيم الإعارة وتشجيع القراءة.

على أن المهم في شعر ابن عبد ربه ليس الكم والعدد ولكنه الكيف والفن والتجديد، فقد تواترت الأخبار الأدبية وبخاصة عند ابن بسام صاحب "الذخيرة" أن أحمد بن عبد ربه هو أول من أنشأ "الموشحات" وإن لم يأت لنا بأنموذج واحد من موشحاته، ولنا رأي مخالف لذلك بصدد نشأة الموشحات وأنها مشرقية محضة2.

إن أحمد بن عبد ربه يعتبر على كل حال -في نطاق الخير الذي أورده عنه ابن بسام واحد من رواد الإبداع والتجديد في الشعر الأندلسي، بل إن ابن سعيد، وهو من هو في تأريخ أدب الأندلس يقول عنه إنه إمام أهل المائة الرابعة وفرسان شعرائها في المغرب كله.

وإن ما قد وصل إلينا من شعر ابن عبد ربه يترجم عن نفس شاعرة رقيقة شفافة متملكة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015