الإبل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب، طلوع النجم في الغياهب، تواليفه أشهر مواضع، وأبهر مطالع، وأكثر راوٍ لها وجامع من أن يستوفيها حد أو وصف، أو يوفيها حقوقها نظم أو رصف"1.
وهكذا لا تخرج أخبار الثعالبي وتاريخه عن مجرد ألفاظ مديح وكلمات إطراء، ولكن لا علينا في ذلك، فحياة المرء تؤرخ بما قدم من نفع للعلم وإنتاج للبشرية. وإذا كانت تفصيلات حياته تلقي أضواء على شخصيته وتسهم في الإفصاح عن كنه أمره ونبوغه، فإن آثار المرء العلمية -في مجال استجلاء شخصيته- تؤدي بعض العوض وإن كانت لا تفي بكل الغرض.
غير أننا من خلال كتب الثعالبي ومقدماتها نستطيع أن نقرر أنه قضى حياته في نيسابور وأنه كان وثيق الاتصال بالعالم الجليل الأمير أبي الفضل الميكالي عميد أسرة بني ميكال التي عرف أبناؤها بالفضل والأدب وتكريم العلم وتقريب العلماء، واقتنوا الكثير من الكتب القيمة الثمينة النافعة، وكانوا أصحاب مكتبة أفاد من محتوياتها العام والخاص، ونعرف أيضًا من مقدمات كتب الثعالبي أنه كان متصلًا بالأمير أبي نصر سهل بن المزربان وكان بدوره عالمًا فاضلًا أديبًا شاعرًا، كما اتصل بالأمير مأمون بن مأمون خوارزم شاه، ولقد كان الثعالبي صديقًا لكثير من أعلام الأدب من عصره وفي مقدمتهم كاتب العربية النابغة أبو الفضل بديع الزمان الهمذاني فقد كانا متقاربين في العمر، فلم يكن الثعالبي يكبر بديع الزمان بأكثر من ثماني سنوات2.
وهذا وإن كثرة التأليف والتوفر على الكتابة والاحتفال بالثقافة والقراءة إلى حد التفرغ كل ذلك لم يمنع الثعالبي من أن يعبر عن خواطره ويفصح عن مشاعره في نطاق شعر لطيف قيل في أغراض مختلفة، ومواضيع شتى بين غزل وخمر ووصف طبيعة ومدح ومساجلات إخوانية، فمن شعره في وصف الطبيعة والربيع قوله3:
الغيم بين معصفر ومجسد ... والماء بين مصندل ومعنبر
والروض بين مدملج ومتوج ... والورد بين مدرهم ومدنر
والأرض قد برزت لنا في أخضر ... في أصفر في أبيض في أحمر
لتروقنا ببدائع وطرائف ... من حسن منظرها وطيب المخبر