الفصل التاسع: أبو منصور الثعالبي 350-429هـ:
الثعالبي واحد من الثلاثة الكبار الذين أهدوا إلى المكتبة العربية أكبر قدر من الكتب الأدبية الخالصة بمعناها المعاصر، أي قدموا الأدب بمفهوم الشعر والنثر والاختيارات دون ما مزج بعلوم اللغة والأخبار والنوادر، وأما الكاتبان الآخران فهما أبو بكر الصولي وأبو عبد الله المرزباني وقد مر ذكرهما.
لقد ألف الثعالبي العديد من الكتب النفيسة في موضوعاتها وعناوينها، ومع ذلك فإن كتب التراجم لا تكاد تذكر عن حياة هذا العالم الجليل أكثر من تاريخ ميلاده ووفاته، وأنه لقب بالثعالبي؛ لأنه كان في أول أمره فراء في مدينته نيسابور يخيط جلود الثعالب، ومن ثم فقد نسب إلى مهنته نسبته إلى بلدته. وليس الثعالبي هو العالم الوحيد الذي كان يتكسب من عمل يده، فكثرة من الأئمة والعلماء كانوا يعيشون من كدح أيديهم، فالإمام العظيم أبو حنيفة النعمان كان يبيع الخز، وكان العالم اللغوي إبراهيم بن السري بن سهل يشتغل بقطع الزجاج، ولذلك فقد اشتهر بمهنته فعرف بين جمهرة العلماء بلقب الزجّاج، وكان العالم الفقيه الواعظ عبد الملك الخركوشي يعمل القلانس ويأمر ببيعها حتى لا يدري أحد أنها من صنعه. وهكذا كان الثعالبي في أول أمره، ثم ما لبث أن مهد العلم له أكناف الإبداع وهيأت له المتابعة والقراءة والاكتساب أسباب التأليف الغزير الوفير المتنوع الموضوعات والأبواب، فخلب ألباب جمهرة القراء والمؤلفين فضلًا عن صفوتهم بحيث إن عالمًا جليلًا مثل ابن بسام يقتفي طريقته في التأليف، وينهج نهجه ويسير على خطاه، ثم يصفه هذا الوصف الجميل "كان في وقته راعي تلعات العلم، وجامع أشتات النثر والنظم، رأس المؤلفين في زمانه، وإمام المصنفين بحكم قرانه، وسار ذكره سير المثل، وضربت إليه آباط