جودتها، وإنما نقصوا هم في أنفسهم، وشقوا بكفرهم1. ويمضي الصولي في هذا الشوط طويلًا ذاكرًا المؤاخذات المتماثلة عند شعراء العربية -في نطاق الإيمان والكفر- ابتداء من امرئ القيس والنابغة وزهير والأعشى إلى الأخطل، منتهيًا إلى الحكم بأن فساد عقيدة الشاعر لا ينسحب على شعره.

ويمضي الصولي في كتابه "أخبار أبي تمام" عاقدًا فصولًا له مع بقية ممدوحيه، مع الحسن بن وهب، ومع آل طاهر بن الحسين، ومع القائد أبي سعيد الثغري، ومع أحمد بن المعتصم، وكلها لا تخرج من حيث منهجها عن أخباره معهم وبعض قصائده فيهم، واستماحته إياهم، وقوة عارضته في الارتجال، مع اغتنام الفرصة بين الحين والحين لإيراد رأي يرفع من قدر الشاعر ويمجد المعجبين به ويحط من شأن حساده وناقديه.

فإذا ما انتهى الصولي من عرض فصوله العديدة التي مجد فيها الشاعر وتعصب له فيها تعصبًا ظاهرًا ودافع عنه من خلالها دفاعًا طيبًا، أفرد فصلين اثنين يتصلان بشاعره، ولكنهما يتعارضان مع حماس المؤلف للشاعر: فصلًا ضم أهاجي مخلد بن بكار الموصلي في أبي تمام، وقد هجاه حيًّا وميتًّا. وربما كان الصولي من الذكاء بحيث عمد إلى ذكر أهاجي ابن بكار في أبي تمام بعد أن مات كي ينال من قدر الشاعر الذي يهجو الأموات وهو بذلك لم يقصد إلى ذكر شعر ينال من قدر أبي تمام بقدر ما قصد إلى النيل من مروءة ابن بكار2. وفصلًا آخر قصيرًا عن معائب أبي تمام ذكر فيه بعضًا من المآخذ التي أخذها الدارسون والرواة والنقاد على أبيات من شعره.

يعود الصولي مرة أخرى إلى تمجيد أبي تمام بذكر محفوظاته، وما عنده من روايات، وما لديه من مختارات يرددها في مجالسه، وجعل ذلك تحت عنوان "ما رواه أبو تمام" وهي في جملتها عذبة طريفة مما يحسن سمعه ويجمل ترديده، فمن ذلك على سبيل المثال: قال رجل لرجل: ما أحسن حديثك؟ فأجابه: إنما حسنه حسن جوار سمعك. أو قوله: حدثني يحيى بن إسماعيل الأموي عن إسماعيل بن عبد الله، قال جدي: الصمت منام العقل، والنطق يقظته، ولا منام إلا بيقظة، ولا يقظة إلا بمنام3.

ثم أردف الصولي بذكر فصل آخر عن "صفة أبي تمام وأخبار أهله"، وهو فصل قصير ذكر فيه صفات الشاعر وسماته وقسماته، وذكر أخاه سهمًا وولده تمامًا، وجاء لهما بشعر يترجح بين التوسط والرداءة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015