الحسن حين سمع قول الشاعر فيه:

لا تنكري عطل الكريم من الغنى ... فالسيل حرب للمكان العالي

وتنظري خبب الركاب ينصها* ... محيي القريض إلى مميت المال

يقوم واقفًا ويقول للشاعر: والله لا أتممتها إلا وأنا قائم1.

وفي معرض -تعظيم أبي تمام والتحمس له يروي الصولي خيرًا عن المبرد مفاده أنه -أي المبرد- ما سمع الحسن بن رجاء يذكر أبا تمام إلا قال: ذاك أبو التمام، وما رأيت أعلم بكل شيء منه2.

ومن خلال هذه الأخبار التي تخلع ثياب المجد والتمجيد على أبي تمام ينتهز الصولي المناسبة فيذكر بعض الأخبار التي كانت سببًا في مؤاخذة الشاعر، ويدافع عنه وقد هيأ القارئ لتقبل دفاعه بما خلعه عليه من صفات كثيرة جليلة. فمن ذلك على سبيل المثال الخبر الذي رواه أحمد بن طاهر وهو أنه دخل على أبي تمام وهو يعمل شعرًا وبين يديه شعر أبي نواس ومسلم، فقال له: ما هذا؟ فأجابه أبو تمام: هذان اللات والعزى وأنا أعبدهما من دون الله من ثلاثين سنة3. إن الكثيرين من المتأدبين أخذوا هذا القول على أبي تمام ووجهوا إليه نقدًا شديدًا لمثل هذا الأسلوب الذي يتنافى مع جلال عبادة الله، وبعض الناس كفره بسببه، ولكن الصولي يؤول قول أبي تمام تأويلًا يرفع عنه غضب من غضب وتكفير من كفر قائلًا: "هذا إذا كان حقًّا فهو قبيح الظاهر، رديء اللفظ والمعنى؛ لأنه كلام ماجن مشغوف بالشعر، والمعنى أنهما قد شغلاني عن عبادة الله عز وجل، وإلا فمن المحال أن يكون عبد اثنين لعله عند نفسه أكبر منهما أو مثلهما أو قريب منهما". ويستطرد الصولي متناولًا الموضوع -لصالح أبي تمام- تناولًا طريفًا قائلًا: "على أنه ما ينبغي لجاد أو لمازح أن يلفظ بلسانه أو يعتقد بقلبه ما يغضب الله عز وجل، ويثاب من مثله، فكيف يصح الكفر عند هؤلاء على رجل شعره كله يشهد بضد ما اتهموه به حتى يلعنوه في المجالس؟ ولو كان على حال الديانة لأغروا من الشعراء بلعن من هو صحيح الكفر، واضح الأمر، ممن قتله الخلفاء -صلوات الله عليهم- بإقرار وبينة، وما نقصت بذلك رتب أشعارهم، ولا ذهبت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015