أو يفترق نسبٌ، يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد

ويحمل الصولي على دعبل الخزاعي حملة شعواء؛ لأن هذا الأخير كان ينال من أبي تمام وشعره ويتهمه بالسطو عليه وسرقة معانيه، كما يحمل على إبراهيم بن المدبر لتعصبه على أبي تمام1.

ويستغل الصولي سماحة البحتري ووفاءه لأبي تمام فيلح على تلك المعاني ويكرر للبحتري أقوالًا طيبة في أستاذه كقوله: والله ما أكلت الخبز إلا به".

ولما كان أبو تمام مشهورًا بالاستفتاحات الغريبة والمعاني المستغلقة الفهم، فإن الصولي يدافع عن أبي تمام من خلال حوار قصير رواه ابن الأعرابي جرى بين أبي تمام وأحد معاصريه فقد قيل لأبي تمام: لم لا تقول من الشعر ما يعرف؟ فأجاب سائله: وأنت لم لا تعرف من الشعر ما يقال؟ ويربط صاحب الخبر بين هذا الحوار وسرعة بديهة أبي مام بقوله: كان أبو تمام إذا كلمه إنسان أجابه قبل انقضاء كلامه2.

ومن المعروف أن أكبر منافسي أبي تمام من معاصريه جودة شعر ورصانة أسلوب وقوة بديهة وشدة عارضة، هو تلميذه البحتري، ومن هنا يركز الصولي على البحتري ضاربًا العديد من الأمثلة الشعرية التي اختارها بعناية وذكاء والتي اشترك في القول فيها كل من الشاعرين الكبيرين بحيث يظهر أبا تمام في مظهر المتقدم على منافسه الظاهر عليه3.

وربما أتى الصولي بالقصة الطويلة المملة؛ لا لشيء إلا لأن فيها بيتا لأبي تمام جرى استحسانه من خلال سرد القصة وروايتها.

وبعد هذا الفصل والمقدمة التي سبقته -وهما أهم ما قصد إليه الصولي وراء تأليفه هذا الكتاب- يفرد المؤلف فصلًا لأخبار الشاعر مع كل ممدوح من ممدوحيه: فصلًا له مع القاضي أحمد بن أبي دؤاد، وفصلًا آخر مع القائد خالد بن يزيد الشيباني، وفصلًا تاليًا له مع الكاتب الحسن بن رجاء. وفي كل هذه الفصول يعمد الصولي إلى الحديث عن لقاء الشاعر بممدوحه وإنشاده إياه وبعض الحوار الذي جرى بينهما أو بين الشاعر والمستمعين. ولا يفوت المؤلف أن يذكر من الأخبار في هذه اللقاءات كل ما يرفع من شأن أبي تمام كشاعر أو كعالم أو كإنسان. فهو يروي خبرًا عن الحسن بن رجاء يصف فيه أبا تمام بقوله: رأيت رجلًا علمه وعقله فوق شعره4 كما يروي قصة إنشاده لاميته في الحسن بن رجاء، وكيف أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015