ومعاطاة الندمان1 ونبذت الصنائع2، وجهل قدر المعروف، وماتت الخواطر، وسقطت همم النفوس، وزهد في لسان الصدق وعقد الملكوت3، فأبعد غايات كاتبنا في كتابه أن يكون حسن الخط قويم الحروف، وأعلى منازل أديبنا أن يقول من الشعر أبياتًا في مدح قينة4 أو وصف كأس، وأرفع درجات لطيفنا أن يطالع شيئًا من تقويم الكواكب، وينظر في شيء من القضاء وحد المناطق، ثم يعترض على كتاب الله بالطعن وهو لا يعرف معناه وعلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب، وهو لا يدري من نقله، قد رضي عوضًا من الله ومما عنده بأن يقال: فلان لطيف وفلان دقيق النظر يذهب إلى أن لطف النظر قد أخرجه عن جملة الناس وبلغ به علم ما جهلوه فهو يدعوهم الرعاع والغثاء والغثر5، وهو لعمر الله بهذه الصفات أولى، وهي به أليق؛ لأنه جهل وظن أنه قد علم ...

"فإني رأيت كثيرًا من كتاب أهل زماننا كسائر أهله قد استطابوا الدعة أو استوطئوا مركب العجز، وأعفوا أنفسم من كد النظر وقلوبهم من تعب التفكير، حين نالوا الدرك بغير سبب، وبلغوا البغية بغير آلة. ولعمري إن كان ذاك فأين النفس؟ وأين الأنفة من مجانسة البهائم؟ وأي موقف أخزى لصاحبه من موقف رجل من الكتاب اصطفاه بعض الخلفاء لنفسه6 وارتضاه لسره، فقرأ عليه يومًا كتابًا وفي الكتاب "ومطرنا مطرًا كثر عن الكلأ" فقال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015