لنفكر في تعريفه، وإنه ليبدو طبيعيا للإنسان، كما يبدو المشي -وهو أقل في طبيعيته من التنفي فحسب- ومع ذلك، فلا نحتاج إلا إلى لحظة من التأمل لنقتنع بأن الإحساس بالمظهر الطبيعي في الكلام، ليس إلا إحساسا خادعا، فعملية اكتساب الكلام في الحقيقة، تختلف عن تعلم المشي، وفي حالة المشي لا تظهر الثقافة على المسرح، فللطفل عوامل مركبة تسمى الوراثة العضوية، هي كل ما يحتاجه في التكييفات العضوية، والعصبية التي نسميها المشي، والحقيقة أن الإنسان الطبيعي مقدر له أن يمشي لا؛ لأن الكبار سيساعدونه على أن يتعلم المشي، ولكن؛ لأن أعضاءه قد أعدت لذلك.

ولكن اللغة ليست كذلك، وباعتبار معنى خاص يمكن القول بأن الإنسان مقدر له كذلك أن يتكلم، ولكن هذا يتوقف تماما على الظروف التي يولد فيها، لا من ناحية الطبيعة فحسب، ولكن من ناحية المجتمع الذي سيقوده في طريق التقاليد العامة، فإذا نفينا المجتمع من الصورة، فسوف يعلم الإنسان المشي، إن عاش، ولكنه سوف لا يتعلم الكلام أبدا، فإذا أخذت المولود من مجتمعه إلى مجتمع آخر فسوف يتعلم المشي، كما كان سيتعلم في مجتمعه الأول، ولكنه سيتكلم لغة المجتمع الثاني الذي نشأ فيه، فالكلام نشاط إنساني يختلف إلى غير حد بحسب انتقالنا من مجتمع إلى مجتمع؛ لأنه وراثة تاريخية للجماعة، ونتيجة من نتائج الاستعمال الجماعي المستمر في العصور الطويلة، وهو يختلف كما تختلف كل المجهودات الخالقة، وربما لا يكون ذلك بنفس الدرجة من الوعي، ولكن على أي حال بنفس الدرجة من الحقيقة، كما في الأديان والمعتقدات، والعادات والفنون في الشعوب المختلفة، وإذا كان المشي وظيفة عضوية غرزية للشخص، فإن الكلام وظيفة مكتسبة ثقافية غير غرزية.

وهناك حقيقة كثيرا ما دعت إلى أن تمنع الاعتراف باللغة، باعتبارها نظاما عرفيا من العلامات، وغررت بالعقل العام، فجعلته ينسب إليها أسسا غرزية ليست لها، تلك هي الملاحظة الشهيرة التي تقول: إنه تحت ضغط العاطفة كالألم والفرح مثلا، ننطق بحالة غير إرادية ببعض الأصوات، التي يأخذه السامع دلالة على العاطفة نفسها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015