يمكن القول إذا: إن علم اللغة الحديث نتيجة من نتائج القرن الثامن عشر، وما تلاه من القرون، ولقد اصطبغ هذا العلم في كل قرن من هذه القرون الثلاثة الأخيرة، بصبغة خاصة معينة مختلفة عن صبغته في القرنين الآخرين، ففي القرن الثامن عشر، عني العلماء اللغويون بالدراسات الإنسانية، وبدراسة فيلولوجيا اللغتين القديمتين اللاتينية، والإغريقية دراسة يصحبها اتساع تدريجي في الأفق اللغوي، وانغماس في التأمل في أصل اللغة، وتقويم اللغات بعضها بالنسبة للبعض الآخر من جهات نظر مختلفة، كالنبية والغنى والجمال، والتراث الأدبي وهلم جرا، وهذه التأملات والمقارنات لا تدخل في نطاق علم اللغة الحديث، إما؛ لأنها ميتافيزيقية وإما؛ لأنها ذاتية غير موضوعية ولا علمية، ولقد كان الكشف عن اللغة السنسكريتية في هذا القرن أهم حادث، يمكن اعتباره نقطة البداية لعلم اللغة الحديث، وكان الكشف عن هذه اللغة من حظ السير، وليام جونز الذي كان حينئذ يقيم بالهند، وقد كتب إلى الجمعية الآسيوية يخبرها عن كشفه هذا، "ولقد بدأ علم اللغة الحديث يشق طريقه باعتباره حقلا خاصا، مستقلا عن الحقل الأدبي بعد كتاب السير جونز بسنوات.
وكان على طلاب هذا العلم في القرون، التي تلت أن يخلقوا لأنفسهم حدود مادته، وطريقته"1: وانحصرت المادة والطريقة في القرن التاسع عشر في دراسة وجهة النظر التاريخية في اللغة، "هؤلاء الذين يعرفون مؤلفات أوتوبسبرسن الذائعة الصيت، سيذكرون كيف يعلن بقوة أن علم اللغة تاريخي، وهؤلاء الذين يلاحظون أغلفة مجلدات القاموس الإنجليزي الحديث، المعروف عموما باسم قاموس اكسفورد، سيذكرون الضمان المعطى عن النظرة التاريخية فيه، وهذا يوضح الحرف "N" من مختصر اسمه، N.صلى الله عليه وسلم.عز وجل 2، هذه الناجية التاريخية، وما يتصل بها من فكرة التطور بالإضافة إلى الاهتمام الكبير بالمذهب الميكانيكي الفلسفي في ذلك العهد، لم تجعل علم اللغة في انسجام مع العلوم الطبيعية فحسب، بل جعلته في حمايتها أيضا، وعلى الأخص علم الحياة من بين هذه العلوم، ولم ينعكس هذا الوضع على تقسيم اللغات، واستعمال