واسعة للدراسات اللغوية من وجهة النظر التاريخية في المبدإ، ثم من الوجهة الوصفة بعدئذ، وبدأت هذه الدراسات خاضعة لعديد من المناهج، ولكنها كانت دائما نتقدم إلى هدفها النهائي، الذي هو استقلال اللغة بمنهج خاص بها. "هؤلاء الذين تشغلهم البحوث اللغوية، لم يبدأوا في ادعاء مرتبة العلم، ولقبه لدراساتهم إلا من زمن قصير، وقد كان تطو علم اللغة باعتباره علما من ثمرات هذا القرن1، ولو أن أصول هذا التطور ترجع إلى عهود أقدم، ولقد كان لهذا العلم تاريخ، لا يختلف في الحقيقة عن تاريخ بقية العلوم، التي تقوم على الملاحظة والاستنباط كالجيولوجيا، والكيمياء والفلك والطبيعة، التي بناها النشاط العقلي في العصر الحديث على الملاحظات الضئيلة، والاستنباط البدائي الذي ثم في العصور الماضية"2.

وهكذا بعد أن كانت الدراسات اللغوية في الماضي جزءا، لا يتجزأ من التفكير الفلسفي، بدأت تنفصل في القرون الأخيرة، باعتبارها فرعا خاصا من فروع المعرفة، حقا إن علم اللغة لا يستطيع الاستغناء عن بقية الدراسات العلمية والفلسفية، ولهذا رأينا فروع المعارف الحديثة، تتسرب إلى علم اللغة إلى جانب المنطق الإغريقي القديم، فأصبحت الاصطلاحات النفسية، والطبيعية، والرياضية والموسيقية والتشريحية، وهلم جرا تتردد في الكلام عن اللغة، كما ترددت من قبل أفكار الفلسفة، واللاهوت والأساطير، وهذه العدوى التي وفدت إلى علم اللغة من الدراسات الأخرى، مسئولة عن الاختلاف في طريقة التناول لمشاكله، اختلافا يشمل من الطرق ما لا يمكن بحال أن يسمى منهجا لغويا، ولكن هذا الخلط ما كان ليدوم، وما كانت النظرة الحديثة الفاحصة، لتتخطاه غير فطنة إليه، ومن ثم جهد العلماء في تحديد منهج اللغة، وتخليصه من الشوائب التي تعلق به وافدة من فروع المعازف الأخرى، "ولأسباب تاريخية يسهل فهمها، كانت الدراسات العلمية اللغوية في طريق تحديد مجالاتها، وطرقها واستحقاق مكانها الخاص بين العلوم، منذ بدء عصر ما بعد نابليون في أوربا الغربية، ولكن المجهودات الأولى في هذا السبيل، تأثرت بالأجواء العقلية، التي لونت ذلك العصر"3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015