وبعد فهذا منهج من مناهج الدراسات اللغوية المختلفة، مطبق على اللغة العربية لأول مرة، نرجو أن يكون القارئ، قد وجد فيه ما يثير اهتمامه أو يدفعه إلى التفكير فيه، ولقد تم لنا في هذا المهج أن نعالج مسائل الأصوات، لنقارن بينها وبين علم التجويد، وأن نعالج مسائل التشكيل، لنضيف إلى وسائل الدراسة العربية شيئا جديدًا، ومسائل الصرف والنحو، لنرى بعض نقط الضعف فيها، ونرشد إلى نظرة إليها خير من النظرة القديمة، وأن نعرف بالمعجم، ومجال نشاطه، وأن ننقل إلى القارئ صورا عن النظرات المختلفة إلى منهج الدلالة.
والفائدة التي تعود من تطبيق هذا المنهج، هي تخليص الدراسات اللغوية من الشوائب الأخرى، ليجد الطالب نفسه أمام موضوع مستقل، لا يعتمد في أفكاره، ولا في اصطلاحاته على فروع المعرفة الأخرى، ولست أدعي أنني قد أتيت في هذا الكتاب بشيء لا يقبل المناقشة، بل على العكس، إن كل ما أطمع فيه هو أن ينجح هذا الكتاب في إثارة النقاش حول منهج اللغة، والحقيقة دائما وليدة البحث، والواقع أن الحقائق العلمية اعتبارية كلها، فتظل الحقيقة منها حقيقة حتى تظهر أخرى تحمل حملها، وتخضع لنفس المصير المحتمل.
إذًا فليس في العلم حقيقة مطلقة، وإنما توجد الحقائق المطلقة في أذهان المتعصبين والجهلاء.
دعنا إذًا نقل إن المجمع اللغوي، وهو يضم خلاصة المفكرين اللغويين في هذا البلد، قمين بأن يمنح هذه المناهج الحديثة بعض تفكيره، ولئن فعل -أرجو أن يفعل- فسيجد فيها بعض الغناء، وشيئا من النفع، قد لا ينافسها فيهما أي منهج قديم.