ذلك عربيًّا، كالذي ورد به النص، والذي يقرأ ما كتبه ابن مضاء عن القياس في صور التنازع، يرى أسوأ مثل من أمثلة تحكيم المنطق في النحو، "واعلم أن من قوة القياس عندهم، اعتقاد النحويين أن ما قيس على كلام العرب، فهو عندهم من كلام العرب نحو قولك في قوله: كيف تبني من ضرب مثل جعفر ضربب هذا من كلام العرب، ولو بنيت مثله ضيرب، أو ضورب أو ضروب، أو نحو ذلك لم يعتقد من كلام العرب؛ لأنه قياس على الأقل استعمالا والأضعف قياسا"1.

والمعلوم أن المنطق القياسي غير صالح للدراسات العلمية؛ لأنه يوجد القاعدة أولا ثم يفكر في ما يمكن أن يدخل تحتها من مفردات، ومع أن البحث العلمي يستخدم المنطق الاستقرائي، الذي يستقصي المفردات أولا، فيوجد جهة الشركة بينها، ليتخذها نتيجة البحث أو قاعدته، ومعأن الرواة العرب قد ضربوا الأمثلة للنحاة بسفرهم إلى الصحراء، لجمع مادتهم التي تستقرأ، ومع أن شيئا من الاستقراء، قد تم فعلا في ظروف غير علمية، جعلته في الكثير الغالب استقراء ناقصا إلى حد كبير، لم يستطع النحاة العرب أن يتخلصوا من قبضة أرسطو السحرية، ولا من نفوذ منطقه القياسي الذي لم تصطبغ به دراساتهم اللغوية فحسب، بل اصطبغ به الفقه الإسلامي وعلم الكلام كذلك، كما افتتن قوم إلى جانب المنطق بالسفسطة في الكلام عن العقائد، وأوضح مثال للسوفسطائية العربية، هو أبو عثمان الجاحظ.

فالعلل والأقيسة إذا جهتان من جهات النفوذ الإغريقي على دراساتنا اللغوية العربية.

لعلنا بذلك قد أجبنا على السؤالين اللذين طرحناهما في مبدإ هذا الفصل: هل خلص العرب الدراسات اللغوية، من عدوى التفكير غير اللغوي بصفة عامة، ومن التفكير الفلسفي بصفة خاصة؟ وهل استطاعوا أن يخلقوا للمنهج اللغوي استقلالا، عن مناهج العلوم الأخرى؟.

ثم هبت في أوربا ريح جديدة على الدراسات اللغوية، بعد الكشف عن اللغة السنسكريتية لغة الهنود القدماء، هذه الحركة التجديدية اللغوية، فتحت آفاقا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015