فإذا نظرنا إلى المعنى باعتباره علاقة بين الصيغة والفكرة، حق لنا أن نقول: إن تغير الدالالة من عصر إلى عصر، ليس إلا ربط الفكرة بصيغة جديدة، أو ربط الصيغة بفكرة جديدة، لقد كان كلمة "فرج"، فيما قبل الإسلام تدل على انفتاح، يقول لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخالفة خلفُها وأمامُها
ثم جاء الإسلام، فخصص عموم هذا المعنى بالمدلول الفقهي للكلمة، الذي يوضحه أن الصيام هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، والذي نجى كلمة "مخرج" من التخصيص الفقهي بمعنى "فتحة الإفراز"، والتخيص الأصواتي بمعنى "مكان النطق"، إنما هو استعمالها في القرآن بالمعنى العام، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} . والعلق الشيء النفيس، والخول الخدم، هكذا كانت دلالتهما الفصحية، ولكن معنى الكلمتين تغير -على مر العصور- تغير مخجلا إلى مفهومهما العامي، وكان الأمي في مبدأ الإسلام هو الذي ينسب إلى العرب، في مقابل النسبة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ثم تطور المعنى حتى أصبح من العرب أميين وغير أميين، ثم انظر إلى المدلول العربي الضيق لكلمة شعب، والمدلول الواسع الذي نعطيه لها الآن، كل أولئك تغير في الدلالة من عصر إلى عصر، يدرس في الأيتيمولوجيا، وفي الدلالة التاريخية، ولقد كان العلماء يعتبرون هذا التغير في المعنى إما نموا، أو انحلالا.
ولم يحاول واحد من العلماء أن يضع قاعدة شاملة لكل العوامل الداعية إلى التغير في المعنى، ولكنهم حاولوا أن يوضحوا عوامل تغير الأمثلة، حين تخطر في دراساتهم. غير أن "هرمان بول" يدعي أن التغير في المعنى يلحق اللغة عن طريق الكلام1، ويقول "شترن": إن معظم تغيرات المعنى تنتج عن رغبة المتكلم في أن يوفق بين الكلام، وبين وظيفته التي يستخدم من أجلها2.