"زيد قام" لنقول: إن زيدا برغم كونه موجودا في الجملة، لم يصلح فاعلا لتحكم فكرة المكان، فالفاعل يأتي بعد الفعل لا قبله، وإذا لم يصلح فاعلا، فلا بد لنا أن نقدر فاعلا في الجملة، برغم أن صيغة الفعل الماضي، تدل هنا بشكلها ودون الحاجة إلى تقدير على أن الفاعل مذكر غائب، ولو كان غير ذلك لتغيرت صيغة الفعل، ومقولة الإضافة أيضا مسئولة عن فكرة الإمالة، فالاسم الممال، إنما اعتبر ممالا بالإضافة إلى اسم آخر، ألفه صريحة بقطع النظر عن أن كلا منهما أصل في لهجته الخاصة به.

ولو درسنا اللهجة التي فيها الإمالة بمفردها، ما احتجنا إلى التفكير في هذا الباب على الإطلاق، ولكن النحاة العرب أبوا إلا أن يدرسوا مجموعة من اللهجات في نحو واحد، ومن هنا جاءت شدة الاضطرار إلى التقسيم إلى شاذ ومطرد.

وأما الخضوع لفكرة مقولة الوضع، فمثاله أن الجملة برغم عدم إمكان ظهور حركة إعرابية عليها جعل لها وضع إعرابي معين؛ فقد تكون في محل نصب مقول القول، أو صفة المنصوب، وقد تكون في محل جزم جوابا لشرط، وقد تكون في محل رفع خبرا، وقد تكون في محل جر صفة، وما إلى ذلك.

وهل يستطيع أحد أن ينكر أن مقولة الملك مسئولة إلى حد كبير عن الأهمية الثانوية، التي منيت بها الحركات في الدراسات العربية والسامية؟ فالمحل الأول والاهتمام الأول للحرف الصحيح، وهذا الحرف الصحيح، إما أن يكون منصوبا أو مجرورًا أو مرفوعا، فالحركة إذا وصف للحرف الصحيح، وملك يمين له كما رأى ذلك النحاة.

وفي كل لغات العالم الأخرى تكتب الحروف، والحركات جنبا إلى جنب في روح من المساواة، ولكن اللغة العربية قد جعلت من حركاتها في الخط علامات كتابية، وفي النحو علامات إعرابية، فهي علامات لا حروف في الحالتين، على أن العروضيين -والشعر موسيقى كما نعلم- قد قلبوا الوضع في رمزهم إلى مقاطع الشع بالخطوط، والدوائر فجعلوا الاهتمام الأول بالحركة لقيمتها الموسيقية، وأهملوا الحرف أن يرمز إليه؛ فكانت الشرطة علامة على حرف متحرك "والشرطة حركة فقط في الكتابة"، وجعلوا السكون علامة على حرف ساكن أو مد، وكلا النظرتين تقع تحت النقد الشديد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015