والمقولتان الأخيرتان مسئولتان إلى حد كبير، عن أهمية أساس من أسس النحو العربي، ألا وهو نظرية العامل1، فإذا كان الشيء إما فاعلا، وإما قابلا فلماذا لا تكون الكلمات كذلك؟ ولماذا لا يكون بعض الكلمات عاملا في بعضها الآخرة؟ حتى المعاني جوز النحاة لها أن تعمل الرفع، وابن مضاء أيضًا ممن هاجموا نظرية العامل، فأبانوا فسادها إلى اقصى حدود الإبانة، يقول2: "قصدي في هذا الكتاب أن أحذف من النحو، ما يستغني النحوي عنه، وأنبه على ما أجمعوا على الخطأ فيه.

فمن ذلك ادعاؤهم أن النصب والخفض، والجزم لا يكون إلا بعامل لفظي، وأن الرفع منها يكون بعامل لفظي وبعامل معنوي، وعبروا عن ذلك بعبارات توهم في قولنا: "ضرب زيد عمرًا" أن الرفع الذي في زيد والنصب الذي في عمرو، إنما أحدثه ضرب"، ثم يستطرد فيقول: "وأما القول بأن الألفاظ يحدث بعضها بعضا، فباطل عقلا وشرعا، لا يقول به أحد من العقلاء لمعان، يطول ذكرها فيما المقصد إيجازه: منها أن شرط الفاعل أن يكون موجودا، حينما يفعل فعله، ولا يحدث الإعراب فيما يحدث فيه إلا بعد عدم العامل، فلا ينصب زيد بعد إن في قولنا: "إن زيدا" إلا بعد عدم إن".

وواضح أن ابن مضاء يعالج المسألة علاجًا منطقيًّا أيضًا، وإن كان قد بين فساد وجهة نظر النحاة، وقد تورط في كتابه في دعوى لا يمكن السماح بها، وهي أن العامل النحوي هو المتكلم، فهو إن كان قد ألغى عاملا فقد فرض عاملا آخر لا تجيزه الدراسات اللغوية الحديثة؛ لأن المتكلم لا يرفع ولا ينصب بنفسه، وإنما بحسب القواعد.

نرجو في هذا الموضع أن نكون قد بينا للقارئ، مدى تأثر النحاة بالمقولات العشر في تفكيرهم اللغوي، ونود بعد ذلك أن نعرض لنوع آخر من تأثرهم بالمنطق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015