ولم يسجل لنا القدماء شيئا عن هاتين الناحيتين، وأغلب الظن أن ما ننسبه للعربية الفصحى في هذا المقام، إنما يقع تحت نفوذ لهجتنا العامية؛ لأن كل متكلم بالعربية الفصحى في أيامنا هذه، يفرض عليها من عاداته النطقية العامية الشيء الكثير، وأظن القارئ يعلم أن القرآن الكريم نفسه يختلف نطقا، ونبرا وتنغيما، "وعلى الأخص في نطق الضاد والجيم، والثاء والذال والظاء، والقاف والكاف"، من بلد عربي إلى بلد عربي آخر، اختلافا يخبر عن نسبة التباين في هذه الناحية بين اللهجات العامية في البلاد العربية المختلفة.

6- التنغيم:

يمكن تعريف التنغيم بأنه ارتفاع الصوت وانخفاضه أثناء الكلام، وربما كان له وظيفة نحوية هي تحديد الإثبات، والنفي في جملة لم تستعمل فيها أداة الاستفهام فقد تقول لمن يكلمك ولا تراه: "أنت محمد" مقررا ذلك، أو مستفهما عنه، وتختلف طريقة رفع الصوت، وخفضه في الإثبات عنها في الاستفهام، ولكن كل شيء فيما عدا التنغيم، يبقى في المثال على ما هو عليه؛ وترتيب الكلمات في الجملة، والبناء في الكلمة الأولى، والإعراب في الثانية، وحركة الإعراب وحركة البناء، والنبر الثانوي على الهمزة والأولى على الحاء، كل ذلك إذ يبقى في الحالتين لا يصلح أساسًا للتفريق بين الإثبات والاستفهام، ولكن التغنيم هو ناحية الخلاف الوحيدة بينهما، وما دامت ناحية الخلاف هذه قادرة على أن توضح كلا من المعنيين، فللتنغيم إذا وظيفة نحوية، والوظيفة الأصواتية للتنغيم هي النسق الأصواتي، الذي يستنبط التنغيم منها أما الوظيفة الدلالية، فيمكن رؤيتها لا في اختلاف علو الصوت، أو انخفاضه فحسب، ولكن في اختلاف الترتيب العام لنغمات المقاطع في النموذج التنغيمي، الذي يقوم من الأمثلة مقام الميزان الصرفي من أمثلته، اختلافا يتناسب مع اختلاف الماجريات العامة، التي تم فيها النطق، وليس في العربية وظيفة معجمية للتنغيم؛ لأن اللغة العربية لا تستخدمه بهذه الطريقة، كما تستخدمه الصينية، وبعض لغات غرب أفريقيا.

ويمكن تقسيم التنغيم العربي، ومن وجهتي نظر مختلفتين؛ إحداهما شكل النغمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015