المُّروذى: أى شىءٍ تَعلمون؟ فقالوا: ننتظر أحمد فنكبته, فقال المروذى: مكانكم, فدخل إلى أحمد بن حنبل وهو قائم بين الهُنْبَازَين, فقال له: رأيتُ قومًا بأيديهم الصحف والأقلام يَنتظرون ما تقول فَيكتبونه. فقال: يا مروذى, أُضلُّ هؤلاء كلَّهم, أقتل نَفسى, ولا أضل هؤلاء كلهم.
قلت: هذا رجلٌ هانَت عليه نفسه فى الله تعالى فَبذلها, كما هانت على بلال نفسه. وقد رَوينا عن سعيد بن المسَيّب: أنه كانت نفسه عليه فى الله تعالى, أهون من نَفس ذُباب. وإنما تهون أنفسهم عليهم لتلمّحهم العَواقب, فعيون البَصائر ناظرة إلى المال لا إلى الحال, وشدة ابتِلاء أحمد دليلٌ على قُوة دينه, لأنه صَحَّ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يُبْتَلَى الرّجلُ على حَسَبِ دَيِنه) فَسبحان من أيّده وبَصَّره, وقَوّاه ونَصَره.