السِّتر لا نَفْتضِح ولا يَشمَ أبو عبد الله رائحةَ الطيب, فدخل أبو عبد الله, فقعد فى الدار, وسأله عن حاله, وقال له: خُذ هذين الدرهمين وأنفقهما اليوم, وقام فخرج, فقال ابنُ أبى مريم لصالح: فَعل الله بكَ وفَعل, لمَ أردتَ أن تأخذَ الدراهم منه؟!
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز, قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت, قال: حدثنى محمد بن الحُسين بن محمد, قال: ذكر أبو بكر الخَلال, قال: أخبرنى محمد بن العباس, قال: حَدثنى محمد بن على, قال: لما صارَ صالح إلى أصفهان وكنتُ معه, بَدأ بمسجد الجامع فدخله وصلى رَكعتين, واجتَمع الناسُ والشيوخُ وجلس وقُرئ عهدُه الذى كتبَ له الخليفة, فجعل يَبكى بُكاءً شديدًا حتى غلبه, فبكى الشيوخ الذين قربوا منه, فلما فُرغ من قِراءة العهد جَعل المشايخ يدعون له ويقولون: ما ببلدنا أحدٌ إلا ويُحب أبا عبد الله ويميلُ إليك. فقال لهم: تَدرون ما أبكانى؟ ذكرتُ أبى أن يَرانى فى مثل هذا الحال, وكان عليه السَّواد, وكانَ أبى يَبعث خَلفى إذا جاءَه رجلٌ زاهد, أو مُتقشف لأنظر إليه, يُحب أن أكون مثله, أو يَرانى مثله. ولكنَّ الله يعلم ما دخلتُ فى هذا الأمر إلا لدَين قد غَلبنى, وكثرة عيال, أحمدُ الله. وكان صالح غيرَ مرةٍ إذا انصرفَ من مجلس الحُكم ينزع سَواده ويقول لى: ترانى أموت وأنا على هذا؟