وكلام ابن القيم وأهل العلم في ذلك واضح في أن المراد من العبودية لله عز وجل تفريغ القلب من المحبوبِ المزاحمِ الدخيلِ الطارئ ليبقى القلبُ على الفطرةِ وهي محبة الله بلا مُشارك والتي غذاؤها واستنارتها بالشِّرْعة.
قال فتح بن شَخرف: دخلت على ذي النون عند موته فقلت له: كيف تجدك؟!، فقال:
أموتُ وما ماتتْ إليكَ صبابتي ... ولا رَوِيَتْ مِن صدقِ حُبِّكَ أوْطاري
مُنايَ المُنى كلّ المنى أنتَ لي مُنى ... وأنت الغِنى كلّ الغِنى عندَ إقتاري
وأنت مَدى سُؤْلي وغايةُ رغبتي ... ومَوِْضعُ آمالي ومكنون إضْماري (?)
قال أبو الأشهب السائح: بينا أنا في الطواف إذا بجويْرية قد تعلقتْ بأستار الكعبة وهي تقول: (يا وَحْشتي بعد الأُنس، ويا ذُلِّي بعد العزّ، ويا فقري بعد الغِنى)، فقلت لها: مالكِ؟!، أذَهبَ لكِ مال أو أُصِبْتِ بمصيبة؟!، قالت: (لا، ولكن كان لي قلب فَفَقدته). قلت: هذه مصيبتكِ؟!، قالت: (وأيّ مصيبة أعظم من فقْد القلوب وانقطاعها عن المحبوب؟!)، فقلت لها: إن حُسْنَ صوتكِ قد عَطّل على مَن سمع الكلام الطواف!. فقالت: (يا شيخ!، البيت بيتُك أم بيتُه؟!) قلت: بل بيتُه. فقالت: (فالحرم حَرَمُك أم حرَمُه؟!) قلت: بل حَرَمُه. فقالت: (فَدَعْنا