كؤوس الحميم؛ وكم أخرجت من شاء الله من العلم والدين كخروج الشعرة من العجين؛ وكم أزالت من نعمة وأحلت من نقمة؛ وكم أنزلت مِن مَعقِلِ مَن عِزُّهُ عزيزاً فإذا هو من الأذلين، ووضعَت مِنْ شريفٍ رفيع القدر والمنصب فإذا هو في أسفل السافلين؛ وكم كشفت من عورة، وأحدثت من روعة، وأعقبت من ألم، وأحلت من ندم؛ وكم أضرمت من نار حسراتٍ أحرقت فيها الأكباد وأذهبت قدراً كان للعبد عند الله وفي قلوب العباد؛ وكم جَلَبت من جَهْد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، فَقَلَّ أن يفارقها زوال نعمة أو فُجَاءة نقمة أو تحويل عافية أو طروق بلية أو حدوث رزية، فلو سألت النِّعَمَ: ما الذي أزالكِ؟!، والنِّقَمَ: ما الذي أدالكِ؟!، والهمومَ والأحزانَ: ما الذي جلبكِ؟!، والعافيةَ: ما الذي أبعدكِ وجنبكِ؟!، والسترَ: ما الذي كشفكَ؟!، والوجهَ: ما الذي أذهبَ نُوركَ وكسَفَكَ؟! والحياةَ: ما الذي كدَّركِ؟!، وشمسَ الإيمانِ: ما الذي كوَّرَكِ؟!، وَعِزَّةَ النفْسِ: ما الذي أذلكِ وبالهوانِ بعْد الإكرامِ بدَّلكِ؟! .. لأجابتك بلسان الحال اعتباراً إن لم تجب بالمقال حواراً: هذهِ واللهِ بعضُ جناياتِ العشقِ على أصحابه لو كانوا يعقلون .. {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (?)! .. ويكفي من مضرة العشق ما اشتهر من مصارع العشاق، وذلك موجود في كلِّ زمان) انتهى (?).