يريد بنقصه قِصَر التعلُّق بذلك لعَدَم تمكُّن محبة المعبود سبحانه في القلب، والعبد لم يُخلق لهذا بل خُلق لتتعلق محبته خالصة لخالقه عزَّ وجلّ.
أمَّا الأكل والشرب والحور والقصور في الجنة فهي نُزُلٌ - أي ضيافة لأولياء الله (?) -، ولأن الربَّ سبحانه كريم وذو فضل عظيم، ولأن المخلوق قد رُكِّبتْ فيه الشهوة للنساء والأكل والشرب ولأن قَوَام جسمه بذلك، فهذه شهوات ولذات كما في الدنيا، وغاية ما هناك أنها أرفع وأكمل وأجمل وأدْوم ولكن ليست هي في نفسها وذاتها غاية بحيث يقتصر الطلب والإرادة والهمّة عليها، فهذا ناقص جداً - كما ذكر ابن القيم -، ولذلك فإنَّ الملائكة عليهم السلام لا يأكلون ولا يشربون وليست لهم شهوة إلى النساء ومع هذا فهم في نعيم لا يبلغه وصْفنا من قربهم لربهم وحبهم له وشوْقهم إليه.
وقال ابن القيم - رحمه الله - في وصف العارف بربه: (أنه لا يقطعه عن طلب مَن نسبة هذا النعيم الدائم - يعني الحور العين ومآكل الجنة ومشاربها ومساكنها - إلى نعيم معرفته ومحبته والأنس به والفرح بقربه كنسبة نعيم الدنيا إلى نعيم الجنة) انتهى (?)؛ فتأمل هذا وكيف وصف - رحمه الله - نعيم الجنة المخلوق بالنسبة إلى نعيم معرفة المعبود ومحبته سبحانه كنسبة نعيم الدنيا إلى نعيم الجنة المخلوق مع أن الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الجنة عظيم