مِنَ البَاطِنِيَّةِ, وَحِينَ مَرَّ في طَرِيقِهِ بِقَريِةٍ ذُكِرَ لَهُ بِأَنَّ أَهلَهَا إسمَاعِيلِيَّةُ بَاطِنِيَّةٌ؛ أَمَرَ بِقَتلِ المُقَاتِلَةِ وَسَبيِ النِّسَاءِ, وَنهبِ الأَموَالِ غَنِيمةً, وَخَرَّبَ القَريَةَ وَجَعَلَهَا خَاوِيَةً عَلى عُرُوشِهَا, وَوَاصَلَ سَيرَهُ إِلى "كنبَاد", وَهِيَ مِن مُدُنِ البَاطِنِيَّةِ فَنَزَلَ عَليهَا وَحَاصَرَهَا.

وحِينَ أَرسَلَ إِليهِ صَاحِبُ "قَهِستَان" البَاطِنِيّ إِلى مَلِكِ "غور" يَشكُو إِليهِ أَخَاهُ "شِهَابُ الدِّينِ" وَيَقُولُ: "بَينَنَا عَهدٌ فَمَا الذِي بَدَا مِنَّا حَتَّى تُحَاصِرَ بَلَدِي؟ " وَمَعَ ذَلِكَ شَدَّدَ "شِهَابُ الدِّينِ" الحِصَارَ عَلى المَدِينَةِ؛ فَلَمَّا اشتَدَّ خَوفُهُم طَلَبُوا الأَمَانَ لِيَخرُجُوا, فَأَمَّنَهُم وَأَخرَجَهُم مِنَ المَدِينَةِ, وَاستَولَى عَليهَا وَأَقَامَ فِيهَا الصَّلاةَ وَشَعَائِرَ الإِسلامِ.

وكََذَلِكَ كَانَ لِلدَّولَةِ "الخَوَارِزمِيَّةِ" مَوقِفٌ حَازِمٌ تِجَاهَ البَاطِنِيَّةِ, وَمِن ذَلِكَ مَا حَصَلَ في عَامِ 624 هـ, حِينَ عَظُمَ شَرُّ البَاطِنِيَّةِ وَتَعَدَّى ضَرَرُهُم, حَتَّى أَنَّهُم قَتَلُوا أَمِيرًا مِنَ أُمَرَاءِ "جَلالِ الدِّينِ" ابنِ "خَوَارِزمَ شَاه", فَسَارَ بِعَسكَرِهِ مِن بِلادِهِم مِن حُدُودِ "آلموت" إِلى "كَردِيكُوك" بخُرَاسَان, فَخَرَّبَهَا جَمِيعًا فَقَتَلَ أَهلَهَا وَغَنِمَ أَموَالهُم وَسَبَى الحَرِيمَ, وَاستَرَقَّ الأَولادَ, وَقَتَلَ الرِّجَالَ وَعَمِلَ بهِم الأَعمَالَ العَظِيمَةَ.

وأَمَّا مَوقِفُ "صَلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبي" مِنَ الرَّافِضَةِ؛ فَكَانَ مِن أَشَدِّ المَواقِفِ وَأَقسَاهَا عَليهِم, حَيثُ أَسقَطَ دَولَتَهُم المَنِيعَةَ, وَالتي عَمَّرَت طَوِيلاً مِن قَبل, مَعَ أَنَّ القَادَةَ قَبلَهُ وَالأُمَرَاءَ مِن السَّلاجِقَةِ وَغَيرَهُم كَانَ لهُم صَولاتٍ مَعَهُم وَجَوَلاتٍ, وَكَانَت هُنَاكَ مُوَاجَهَاتٌ وَحُرُوبٌ وَقَتلٌ وَسَبيٌ, وَلكِنَّ الضَّرَبَاتِ التي تَلَقَّوهَا مِن "صَلاحِ الدِّينِ" كَانَت أَشَدُّ عَلى نُفُوسِهِم؛ حَيثُ فَرَّقَ جَمعَهُم, وَهَدَّمَ صَرحَهُم الكَبِير, وَقَضَى عَلَى كُلِّ أَحلامِهِم بِامتِلاكِ دَولَةٍ مُستَقِلَّةٍ ذَاتِ سِيَادَةٍ, وَنشرَ مَذهَبَ السُّنَّةِ بَعدَ أَن كَانَ دِينُ الرَّفضِ هُوَ السَّائِدُ, وَلِذَلكَ حَاوَلوا مِرَارًا قَتلَهُ وَاغتِيَالَهُ, وَلكِنَّهُم بِفَضلِ اللهِ وَحدَهُ فَشِلُوا في كُلِّ مُحَاوَلاتِهِم.

وكَانَ مما قَامَ بِهِ "صَلاحُ الدِّينِ" تِجَاهَ الرَّافِضَةِ عَلى مَا ذَكَرنَا سَابِقًا, وَبَعدَ مُحَاوَلاتِ اغتِيَالِهِ العَدِيدَةِ؛ اعتَقَلَ المُتَآمِرِينَ عَليهِ في مِصرَ, وَالذِينَ حَاوَلُوا الاتِّصَالَ بِالإِفرَنجِ لإِسقَاطِ مِصرَ, فَقَرَّرَهُم وَاحِدًا وَاحِدًا, وَبَعدَ أَن استَفتَى الفُقَهَاءَ في أَمرِهِم قَتَلَ رُؤُوسَهُم وَأَعيَانَهُم دُونَ أَتبَاعِهِم وَغِلمَانِهِم, وَحَاصَرَ قَلعَةَ "مِصيَافٍ" الرَّافِضِيَّةِ بَعدَ مُحَاوَلَتِهِم اغتِيَالَهُ حِينَ كَانَ مُحَاصِرًا لِحَلَبَ, فَقَصَدَ قَلعَتَهُم عَامَ 572 هـ, وَحَاصَرَهَا وَنَصَبَ عَليهَا المِنجَنِيقَاتِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015