وكَادَت هَذِهِ الحِيلَةُ بِالفِعلِ أَن تُفَرِّقَ كَلِمَةَ المُسلِمِينَ, وَتُغَيِّرَ المَوقِفَ لِصَالحِ البَاطِنِيَّةِ حِينَ أَجَابَهُم أَكثَرُ الفُقَهَاءِ بِجَوَازِ ذَلِكَ .. لكِن البَعض تَوَقَّفَ (?).
ولكِنَّ السُّلطَانَ محَمَّدَاً بِحِكمَتِهِ وَفِقهِهِ وَحِنكَتِهِ؛ جَمَعَ الفُقَهَاءَ وَدَعَاهُم لِلمُنَاظَرَةِ؛ فَانتَصَرَ رَأيُ الفَقِيهِ الشَّافِعِيِّ "أَبي الحَسَن عَلِيّ بِن عَبدِ الرَّحمَنِ السَّمَنقَاني" الذِي أَفتَى بِوُجُوبِ قِتَالهِم وَسَفكِ دِمَائِهِم, وَأَنهُم لا يَنفَعُهُم التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَينِ لِرَأيِهِم في الإِمَامِ الذِي يَستَطِيعُ أَن يُحَرِّمَ عَليهِم مَا أَحَلَّ اللهُ, وَيُحِلُّ لَهُم مَا حَرَّمَ اللهُ, وَتَكُونُ طَاعَتَهُ لهُم في هَذِه الحَالَةِ حَسَبَ اعتِقَادِهِم فِيهِ وَاجِبَةً؛ فَتُبَاحُ دِمَاؤُهُم بهَذَا السَّبَبِ بِالإِجمَاعِ.
وحَاوَلَ بَعدَ ذَلِكَ السُّلطَانُ "محمَّد" أَن يُسقِطَ قَلعَةَ "آلمُوت", وَيُقَاتِلَ "الحَسَنَ بنَ الصَّبَاحِ" الذِي كَانَ مُتَحَصِّنَاً فِيهَا أَكثَرَ مِن مَرَّةٍ, إِلا أَنَّ المَنِيَّةَ وَافَتهُ عَامَ 511 هـ أَثنَاءَ حِصَارِ جَيشِهِ بِقِيَادَةِ "أَنُشتَكِين" وَالتِي دَامَ مُدَّةَ حِصَارُهَا مَا يُقَارِبُ السِّتَ سَنَوَاتٍ؛ فَاضطرَّ القَائِدُ "أَنُشتَكِين", وَبَعدَ ضَغطِ جُندِهِ إِلى الانسِحَابِ.
وبَعدَ وَفَاةِ السُّلطَانِ "محمَّد"؛ تَسَلَّمَ السُّلطَةَ مِن بَعدِهِ ابنُهُ "مَحمُود", وَالذِي وَاصَلَ سِيَاسَةَ وَالِدِهِ, وَكَانَ يحمِلُ نَفسَ الهَمِّ وَالمَنهَجِ في مُلاحَقَةِ وَقِتَالِ الرَّافِضَةِ البَاطِنِيِّينَ وَالرَّغبَةِ في تَطهِيرِ البِلادِ مِن رِجسِهِم وَأَذَاهُم؛ فَحَاصَرَ قَلعَةَ "آلموت" حَتَّى سَقَطَت في يَدِهِ عَامَ 524 هـ , وَلَكِنَّهُم استَطَاعُوا أَن يَستَرجِعُوهَا بَعدَ وَفَاتِهِ عَام ِ525 هـ.
وكَانَ مِن حُكَّامِ الوِلايَاتِ آنَذَاكَ الأَمِيرُ "عَبَّاس" صَاحِبُ "الرَّي", وَكَانَ مِن غِلمَانِ السُّلطَانِ "محمُودٌ", وَكَانَ مِنَ المُجَاهِدِينَ المُخلِصِينَ؛ فَاستَطَاعَ أَن يَفتِكَ بِالبَاطِنِيَّةِ الذِينَ عِندَهُ؛ فَقَتَلَ مِنهُم خَلقًا كَثِيرًا حَتَّى أَنَّهُ بَنَى مَنَارَةً مِن رُؤُوسِهِم بِالرَّيِّ, كَمَا أَنَّهُ حَاصَرَ مُجَدَّدًا قَلعَةَ "آلموت", وَاستَطَاعَ أَن يَدخُلَ قَريَةً مِن قُرَاهُم, فَقَذَفَهَا بِالنَّارِ وَأَحرَقَ كَلَّ مَن فِيهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبيَانِ.
وكَانَ لِلدَّولَةِ "الغُورِيَّةِ" كَذَلِكَ مَوقِفٌ حَازِمٌ تِجَاهَ الرَّافِضَةِ البَاطِنِيَّةِ, وَمِن ذَلِكَ مَا حَصَلَ في عَامِ 597 هـ حِينَ سَارَ "شِهَابُ الدِّينِ الغُورِيُّ" (?) إِلى "قَهِستَان" لمحَاصَرَتِهَا وَمَن فِيهَا